الأخوان المسلمين ووثائق ويكيليكس
الأخوان المسلمين ووثائق ويكيليكس
حسان الرواد
قبل فضائح ويكيليكس استغربت بشدة تكالب المواطنين على (المدرسة الأمريكية) في الزرقاء فبلغ الأمر مبلغة وضاقت الزرقاء بما رحبت, فهاج الأهالي وارتفعت الأصوات كلٌ يقول أبنائي أولى بتلك المدرسة, ففر الناس من الجاحظ وفروا من البخاري وفروا من كل ماضٍ متوجهين صوب الأمريكية فهي السبيل وعلى أسوارها الحديثة نموت إن تطلب الأمر...
كان ذلك في الزرقاء وقبل بدء العام الدراسي, حيث انتشرت شائعات عن وجود مدرسة أمريكية في منطقة جبل طارق, تدّرس بالطريقة الأمريكية الحديثة من أساليب ووسائل, ولا أستغرب حينها أن مديرية تربية الزرقاء الأولى كانت تدعوا من مديرها إلى أصغر موظفيها في شهر رمضان دعاء واحدا اللهم دمر تلك المدرسة ولا تبقي لها أثرا, كل ذلك بسبب ما أحدثته الشائعات من إقبال المواطنين بأعداد كبيرة تفوق استيعاب تلك المدرسة حديثة البناء فكثرت الشكاوى والاعتراضات من الأهالي وكادت أن تتحول إلى اعتصامات, وجعلت من مدير التربية يتخذ قرارا بإعادة كل ملفات الطلبة إلى ذويهم بعد أن تم قبولهم بسبب الضغط من جميع الاتجاهات لقبول الأبناء حتى القاطنين منهم على مسافة بعيدة جدا, كل ذلك بسبب شائعة سرت أن المدرسة أمريكية, ولم يقتنع الأهالي رغم كل الجهود بأن هذه المدرسة هي حكومية كباقي المدارس وليس لأمريكا فيها سوى تمويل البناء فقط وأن اسمها مدرسة جبل طارق ومعلميها من نفس معلمي التربية وليست المدرسة الأمريكية كما توهموا وهي كأي مدرسة حكومية أخرى...لكنه الهوس ولا غيره بكل ما هو أمريكي...
حقيقة في وقتها كنت مصدوما مما حدث أما بعد فضائح ويكيليكس فالأمر مختلف تماما حيث التهافت والتسابق على السفارة الأمريكية من شخصيات كان لها فيما مضى الوزن السياسي الكبير عندما كان لها وزن والصوت الوطني المبحوح المغشوش بحجم المعلومات المسربة فلم أعد بذات الصدمة كما كنت من عامة الناس الباحثين عن الدفء الأمريكي الموهوم متذكرا المثل الشعبي المعاني :( المتغطي فيهم بردان) فهم سبب كل تعاسة وبؤس يعيشها المواطن العربي, فمن التناقض في الزمن العجيب أن تكون سفارتهم ملجأ لمن أدرك يقينا من هي أمريكا إلا من ارتضى لنفسه أن يكون في خندقها عميلا لا صديقا...
وقد طالع الأردنيون باهتمام كبير حجم الفضائح المسربة من وثائق السفارة الأمريكية التي من المفترض أن تكون سرية, لكن على ما يبدو تقتضي المصالح العليا الأمريكية المرتبطة أصلا بالمصالح الصهيونية في المنطقة أن يتم نشرها في الزمان والمكان المناسبين بغض النظر عن طريقة تسريبها وبيعها للآخرين ما دامت أنها ستحقق الغاية كما يظنون غير آبهين بسمعة مَنْ جعلوا من أنفسهم خدّاما وعملاءً لهم فكشفوا حتى عن شهيقهم وزفيرهم داخل السفارة الأمريكية حيث بدوا كمن شرب حتى الثمالة فلم يبق في نفسه شيئا إلا وقاله...
لا أكتب اليوم للوقوف على مضامين تلك الوثائق ولا أسماء من وردت فيها, ولا عن مشاعر تلك الشخصية أو آراء ذلك السياسي ولا نصيحة ذلك الحزين المتباكي للأمريكيين فقد سقط القناع عنهم وكفى, وانكشفت شخصيات طالما تلونت وجوههم بأصباغ الوطنية الزائفة ... ولكني هنا أردت أن أؤكد بعض الحقائق.
منها أن السفارة الأمريكية سواء في عمان أو في الدول العربية الأخرى هي أكبر بكثير من كونها سفارة تُعنى كأي سفارة أخرى برعاية مصالح رعاياها وتؤدي دورها الدبلوماسي أو الاقتصادي المتعارف عليه ضمن حدود اللياقة واحترام السيادة لأي دولة... وهذه الحقيقة ليست جديدة تم اكتشافها بعد ويكيليكس ولكن تم التأكيد عليها فقط, حيث يدرك المتهافتون على السفارة ذلك جيدا... من هنا كان الحرص الشديد على إثبات الوجود وحسن السيرة والسلوك لدى السفير الأمريكي بحكم موقعه الكبير ودوره الفاعل الغزير...
والأمر الأهم الذي أردت إيصاله من هذه المقالة كمواطن أردني هو أن الأخوان المسلمين قد أثبتوا حقيقة تاريخية مهمة في سجل تاريخهم السياسي الطويل في الأردن, وهي أنها كحركة سياسية دينية في مرحلة سابقة أو كحزب سياسي لم يثبت يوما تورطهم في أي عمل أو تصريح يضر بالأردن...وهذه حقيقة تثبتها اليوم تلك الوثائق التي عرت الكثيرين ممن كانوا يهاجمون الحركة في أزمنة معينة بدعوة الوطنية أو القومية فظهروا اليوم بأشكالهم البشعة وحقيقتهم النتنة عندما ارتضوا حضن السفير الأمريكي متنفسا لهم ولسمومهم التآمرية على الأردن...
قد يختلف البعض مع الحركة الإسلامية في الأردن في النهج أو الأسلوب, ولا يمنع ذلك من وجود خلل هنا أو خطأ هناك وهو أمر قائم عند كل الوطنيين ممثلين بالأحزاب أو التيارات السياسية المختلفة, لكن الاختلاف وتباين الآراء شيء, والخيانة والتآمر شيء آخر تماما...
وما كشفته وثائق ويكيليكس وتضمنت خبرا أو إشارة عن الحركة الإسلامية لم تكن من وجهة نظر المواطن الأردني سوى تأكيدا على أن هذه الحركة بتاريخها الطويل الحافل كانت دوما مع الأردن ومع نسيجه الاجتماعي المتماسك ومواقفها المشرفة المعلنة وغير المعلنة اتجاه الأردن وقضايا الأمة, ولم تتورط يوما بقضايا تمس الأمن الداخلي رغم المحطات الوعرة التي فرضت عليها في مراحل معينة...أما عن إشارة إحدى تلك الوثائق وعلى لسان رئيس الوزراء السابق عبد الكريم الكباريتي فلا تتعدى خبرا منقولا مبهما لمأرب ما اتجاه اتفاقية وادي عربة, تلك الاتفاقية التي رفضتها الحركة ولم تصوت لها, علما بأن نواب الحركة الإسلامية في المجلس الثاني عشر عام 1993 كان عددهم 16 نائبا من مجموع 80 نائبا في ذلك الوقت, ولم يكن بأي حال من الأحوال أن يجهض هذا العدد اتفاقية وادي عربة التي نالت ثقة 55 نائبا وكانت خيارا على أعلى المستويات و أمرا مقضيا قَبِلَ المجلس بذلك أم لم يقبل...
لست في معرض الدفاع عن الحركة, كما أني لست عضوا فيها ولا تحتاج الحركة مني لشهادة حسن سلوك, ولكني أذكر حقيقة قد تكون مرة بطعم العلقم لخصومها الذين ترقبوا ولو وثيقة واحدة يتغنون بها...هذه الحقيقة التي تقول إن حركة الأخوان المسلمين في الأردن أو في فلسطين ممثلة بحركة حماس هم في خندق واحد مع الأردن وأمنه ولا يشكلون أي تهديد له, بل ويشكلون عائقا كبيرا أمام التوطين وقضية الوطن البديل...ولطالما أثبتت الحركة ذلك عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ومن خلال جميع محطاته المهمة وإفرازاته السوداء المؤلمة...فهل يعي ذلك من يَفْتَأُ يذكرهم بسوء ويشكك في نواياهم.
rawwad2010@yahoo.com