تحول الحركات الاجتماعیة الدینیة إلى أحزاب سیاسیة

شھد العالم العربي وتیرة متسارعة بتجول الحركات الاجتماعیة الدینیة إلى أحزاب سیاسیة، منذ دخول العالم العربي الموجة الثالثة من التحول الدیمقراطي عقب نھایة الحرب الباردة، وتنامت ظاھرة التحولات عقب الانتفاضات الاحتجاجیة التي اجتاحت المنطقة عقب ما أطلق علیھ الربیع العربي، وقد أكدت التحولات على عدم وجود مسار تطوري تنظیمي حتمي داخل أي حركة اجتماعیة، فبعض الحركات تصبح مؤسسیة، وتتحول لأحزاب سیاسیة، والبعض الآخر یلجأ إلى العنف السیاسي، فاختلاف .الخصائص التنظیمیة للحركة یفسر تباین خیاراتھا التنظیمیة فرضت تحدیات الحركة الاحتجاجیة الشعبیة التي شھدت الرییع العربي 2011 وما تمخض عنھا استجابات متباینة للحركات الاجتماعیة الدینیة، أفضت إلى بروز خیارات متنوعة عنفیة وأخرى سلمیة وثالثة ھجینة، فقد شكل تنظیم «الدولة الإسلامیة ــ داعش» نموذجا إرشادیا جذابا للتحول إلى العنف، وفي المقابل اكتسبت ظاھرة الأحزاب السیاسیة التي خرجت من رحم الحركات الاجتماعیة الدینیة زخماً إضافیاً في العالم العربي، ففي مصر ظھر حزب «الحریة والعدالة» المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمین بعد انتفاضة 25 ینایر 2011 لیفوز بالانتخابات التشریعیة والرئاسیة، لكنھ ما لبث أن أزیح من السلطة عام 2013 ،وتم تجریم الانتماء للجماعة وتصنیفھا منظمة إرھابیة، بینما نجد حزب «العدالة والتنمیة» المغربي الذي انبثق من حركة «التوحید والإصلاح» وقد فاز بالانتخابات التشریعیة وشكل الحكومة .مرتین متتالیتین بعد أحداث 20 فبرایر 2011 في المغرب إن تعامل النظام السیاسي مع الحركات الاجتماعیة الدینیة یحدد إلى درجة كبیرة طبیعة ومسار التحولات داخل الحركات الاجتماعیة الدینیة، وقد تراوحت السیاسات العربیة في التعامل مع ھذه الحركات، حیث تبنى النظام المصري نھج الاستئصال، واعتمد النظام المغربي سیاسة الإدماج، بینما تبنى الأردن مقاربة وسطیة بین الاستبعاد والادماج وفق منظورات اشتمال الاعتدال، وقد أفضت المقاربة الأردنیة في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمین إلى توسیع الفجوة بین المحافظین والإصلاحیین، عبر سلسلة من الإجراءات السیاسیة والقانونیة، لخلق حالة من الفرز والاستقطاب تفضي إلى دفع التیار الإصلاحي «الحمائم» إلى مزید من الاعتدال بالتحول من الدیني إلى السیاسي، وتكللت ھذه السیاسات بولادة مبادرة «زمزم» في یونیو 2012 ،ثم دفعت باتجاه ترخیص جمعیة «الإخوان المسلمین» في 8 فبرایر 2015 ،لتصحیح الوضع القانوني لجماعة الإخوان، كما عملت سیاسة مشمولیة الاعتدال على دفع تیار «الحكماء» في الجماعة إلى تقدیم مبادرات تتموضع بین الجماعة والحكومة، وسرعان ما ستفضي مبادرة زمزم إلى طباعة مع التعلیقات طباعة حسن أبو ھنیة تأسیس حزب «المؤتمر الوطني» في أغسطس 2016 ،ویؤسس تیار الحكماء حزب «الشراكة والانقاذ» في دیسمبر 2017. لا تزال الفجوة كبیرة في العالم العربي في التعامل مع الحركات الاجتماعیة الدینیة، وثمة تباین كبیر داخل ھذه الحركات في التعامل مع الأنظمة السیاسیة، ولذلك یصعب بناء نموذج مفسر لفھم أسباب تباین مآلات الأحزاب السیاسیة التي انبثقت من حركات اجتماعیة دینیة، ویجب اختبار أثر علاقة الحركة بالحزب الجدید على قدرة الحزب على التطور التنظیمي ومن ثم الاندماج السیاسي، إذ تنطوي الحركات الاجتماعیة الدینیة عموما على تیارات محافظیة و توجھات إصلاحیة، وتتسع الفجوة بینھما في إطار سسیولوجیا التحول من جماعة إحیائیة إلى حركة شبھ سیاسیة، ذلك أن دخول الحركات الاجتماعیة الدینیة في العمل السیاسي في بیئة سیاسیة شبھ سلطویةـ یدفع ھذه الحركات إلى حالة من القلق والتوتر والانقسام والصراع الداخلي على ھویة الجماعة، فسیاسات الأنظمة تطالبھا بمزید من المشاركة السیاسیة وعدم المقاطعة، إلا أنھا لا تضمن إجراءات نزیھة في الوصول إلى نتائج دیمقراطیة، ولذلك یتعالى الجدل دوما بین المحافظین والإصلاحیین حول جدوى العملیة السیاسیةـ فالجماعة تسعى إلى الحصول على فوائد غیر مؤكدة، عبر القیام بتغیرات غیر مؤكدة، فھي تعید تشكیل منظمتھا وتقولب إیدیولوجیتھا، بحذر شدید، وتتأرجح بین الإیدیولوجیة والبراغماتیة، ذلك أن «التسییس»، یفرض على الجماعة الدخول في تكیّفات ضروریة للانخراط في العملیة السیاسیة، وكلما تغلغلت في العمل السیاسي وجدت نفسھا تبتعد عن النظر الإیدیولوجي، وتنساق إلى تعدیل .مواقفھا وخطاباتھا تكشف المناھج المتبعة في التعامل مع الحركات الاجتماعیة الدینیة عن طبیعة التحولات داخل ھذه الحركات، إذ تعاني جماعة الإخوان المسلمین الیوم كحركة اجتماعیة دینیة من أزمة غیر مسبوقة، ذاتیة وموضوعیة، فتبدل الظروف الموضوعیة بالتعامل مع الجماعة كطریق نحو التطرف فالإرھاب، عمق من مأزقھا الذاتي التاریخي الذي یتمثل بالصراع بین أتباع النزعة المحافظة وأنصار النزعة الإصلاحیة كمكونات بنیویة تاریخیة مؤسسة لھویة الجماعة، فالإخوان كجماعة دینیة إحیائیة إصلاحیة محافظة تحولت إلى حركة شبھ سیاسیة، لم تعد في مصر قادرة على الحفاظ ھلى ھیاكلھا التنظیمیة والسیطرة على أعضائھا بكفائتھا المعھودة سابقا، فقد انقسمت الجماعة إلى كتلتین، حسب أنیت رانكو ومحمد یاغي، ولكل تكتل ھیكلیتھ التنظیمیة المستقلة وآراؤه المختلفة حول كیفیة التعامل مع الأوضاع الراھنة، إذ یعتقد أحدھما بضرورة أن تجابھ الجماعة حكومة عبد الفتاح السیسي بالطرق السلمیة، بینما یطالب الآخر ٍ بمسار . ّ ثوري یشرع العنف إنما بأسلوب مغایر عن أسلوب سفك الدماء الجھادي الذي اجتاح مصر في السنوات الأخیرة خلاصة القول إن تحول الحركة الاجتماعیة الدینیة إلى حزب سیاسي یتطلب بیئة سیاسیة معتدلة ومتوازنة، فالعنف یولد العنف والاعتدال یقود إلى الاعتدال كما بینت أبحاث دیلا بورتا، فحسب منظور بورتا فإن العنف أحد منتجات الحركات الاجتماعیة أو السیاسیة «المھزومة»، حیث تشیر بورتا في بحثھا حول دراسات الحركات الاجتماعیة والعنف السیاسي إلى عدة عوامل تدفع مجموعات من الشباب بشكل خاص إلى استخدام العنف كوسیلة احتجاجیة، وأحد أھم عوامل انتقال مجموعات كانت تشارك في حركات اجتماعیة أو سیاسیة إلى استخدام العنف ھو انسداد الأفق السیاسي لھذه المجموعات مما یدفع عدد من المنخرطین بھذه الحركات إلى استخدام العنف، وحسب بورتا فإن آلیة (میكانزیم) التطرف (الردكلة) أو الدفع نحو التطرف والعنف السیاسي یتطلب النظر إلى الفرص السیاسیة حیث إن العنف یمثل أحد الخیارات المطروحة لممارسة السیاسة، فالحركات الاحتجاجیة تنزع إلى تبني العنف عندما تصبح .الفرص السیاسیة أمامھا محدودة أو منعدمة