الملك عبدالله الثاني والاصلاح السياسي
ضمني مؤخرا مجلس مع جمع من المثقفين جرى فيه الحديث عن ما يسمى بالربيع العربي. وهالني ما قاله احدهم بان الاردن ما كان ليجري الاصلاحات السياسية و تعديل الدستور لولا ما شهدته وتشهده بعض الدول العربية من ثورات و اعتصامات و مظاهرات تطالب بالاصلاحات والاطاحة بالنظم فيها. وتذكرت بحكم عملي الاعلامي ما كان يصرح به جلالة الملك عبدالله الثاني ومنذ اعتلائه العرش حول الاصلاحات السياسية والاردن الذي يريد والزيارات المفاجئة الى عدد من مواقع العمل في عهد حكومة عبد الؤوف الروابدة متخفيا سعيا وراء ازالة اسباب تذمر المواطنين من سؤ ادائها. وعدت الى شبكة الانترنت متصفحا ما كان ينادي ويسعى اليه جلالته من عمليات اصلاح شاملة وعلى مختلف الصعد ومنذ الايام الاولى لحكمه الرشيد فوجدت انه لم يكن تكليف جلالته لرئيس الوزراء الاسبق احمد اللوزي في اواخر نيسان من هذا العام رئاسة لجنة لمراجعة نصوص الدستور منبها جلالته الى ان الشعب الاردني يحّمل اللجنة أمالا كبيرة في رؤية دستورية إصلاحية، وصيغ أكثر شمولية، ليصار إلى اقتراح هذه الصيغ ضمن قنوات التعديل الدستورية المؤسسية، للارتقاء بآفاق الدستور ونوعية العمل السياسي المؤسسي ، لم يكن هذا التكليف بداية المشوار بل استهل جلالته ومنذ بداية عهده ومن خلال كتبه السامية في تشكيل الحكومات الى الطلب من رؤسائها المكلفين القيام بهذه الاصلاحات. فمما جاء في كتاب التكليف للمهندس علي ابو الراغب في حزيران من عام 2000 " إن الديمقراطية نهج حياة ارتضيناه لأنفسنا، ولن نحيد عنه مهما كانت الصعوبات والتحديات، والديمقراطية في نظرنا تمثل الركيزة والأرضية الراسخة لبناء أردن عزيز قوي بمجموع طاقات شعبه وقدراته "
وحول التعددية السياسية في كتاب التكليف اياه قال جلالته " ان الديمقراطية لاتكتمل الا بالتعددية السياسية ، وعلى ذلك فإننا نؤيد تشكيل الاحزاب الوطنية والانضمام اليها "
و في كتاب التكليف الثاني للمهندس ابو الراغب في بداية عام 2002 ذكّر جلالته ابو الراغب انه طلب اليه في كتاب التكليف الاول العملَ على تنمية الحياة السياسية. وأعاد جلالته التأكيد على ضرورة العمل بهذا الاتجاه قائلا " ان مسيرتنا الديمقراطية هي نهج حياتنا ولن نحيد عن هذا النهج مهما كانت التحد يات ... فا لتعددية الفكرية والسياسية والحزبية هي جوهر الحياة الديمقراطية "
ومرة اخرى وفي كتاب التكليف الثالث لعلي ابو الراغب في تموز 2003 اعاد جلالته التأكيد على المسيرة الديمقراطية و انها " نهج حياتنا الذي اخترناه والتزمنا به وعلى ذلك فلا بد من تعزيز هذه المسيرة و ترسيخ جذورها من خلال تنمية الحياة السياسية و تفعيل دور الاحزاب السياسية و مؤسسات المجتمع المدني "
وفي كتاب التكليف السامي لفيصل الفايز في تشرين الاول من عام 2003 نبه جلالته الى ان الرؤية مهما كانت واضحة واستشرفت الداء وحددت التشخيص الشافي لا يمكن ان تكتمل الا بارادة التنفيذ وتحويل التطلعات الى واقع ملموس وان ما شاب الحكومات السابقة ونقد ادائها وما اعتراها من الضعف احيانا وعدم التنسيق بين اعضائها قد اثر على جوهر الفريق الواحد الامر الذي انعكس على انسجامها وتحقيق اهدافها في تحويل الامنيات والآمال والاولويات دون تردد قائلا " وعلى رأس هذه الأولويات تأتي التنمية السياسية بكل أبعادها، فإن الوقت قد حان لتعميم مفهوم التنمية السياسية التي تشارك بها قطاعات المجتمع وقواه السياسية كافة، حيث النزاهة والمساءلة والشفافية، وحيث سيادة القانون والعدالة والمساواة وحيث مشاركة فاعلة وحقيقية للمرأة الأردنية والشباب الأردني وتفعيل طاقاتهم واستثمارها في شتى نواحي الحياة "
وفي كتاب التكليف السامي الى الدكتور عدنان بدران في نيسان من عام 2005 قال جلالته " رؤيتنا الراسخة تتجذر في التطور الملموس الذي يشهده الأردن الغالي لكن الطموحات تظل اكبر من كل ما أنجزنا، والمهم هو الاستمرار والاستفادة واخذ العبر من تعثر بعض جوانب المسيرة أو التقصير الذي يقع هنا أو هناك لكننا واثقون من صلابة إرادتنا وقد عقدنا العزم على المضي قدما يحفزنا التزامنا بغد أفضل ومستقبل مشرق لجميع أبنائنا وبناتنا في الأردن العزيز منطلقين من إيماننا بالأردن دائما وأبدا.
ونحن نعتز بكوننا أول من اعتمد وتبنى سياسات الإصلاح واضطلع بدور ريادي في المنطقة فالإصلاح عملية شاملة وطويلة الأمد ونحن مستمرون في رعايتها وإن كنا ندرك تماما أن ثمارها ربما تتأخر لتنضج، إلا أنها آتية بلا ريب "
اما في كتاب التكليف لحكومة الدكتور معروف البخيت الاولى في تشرين الثاني من عام 2005 فقد اعاد جلالته التأكيد على عملية الاصلاح التي لم تعد خيارا فقط بل هي ضرورية حياتية للاردن الجديد قائلا " ولهذا فإن الحكومة مطالبة بمأسسة عملية الإصلاح والتحديث والتطوير اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا "
وفي كتاب التكليف لنادر الذهبي في تشرين ثاني عام 2007 الذي تم التركيز فيه على الاولويات الاقتصادية والاجتماعية اكد جلالته على اهمية المرحلة القادمة المليئة بالتحديات مع التأكيد ايضا على الاستمرار في برامج الاصلاح السياسي وتعزيز المشاركة و تنمية الحياة الحزبية.
و في كتاب التكليف الاول لسمير الرفاعي في كانون الاول من عام 2009 بعد ان اختاره ليمثل شريحة الشباب التي ربما تكون الاقدر على تحقيق المنهجية التي يطمح اليها لخدمة الصالح العام فقد حدد جلالة الملك وبعد ان يشكل الرفاعي حكومته مهلة لا تزيد عن شهرين انجاز خطة عمل كل وزارة ليعرف الشعب الاسس والاهداف الموكلة اليه بتحقيقها واصدار ميثاق شرف يوضح كل المعايير الاخلاقية والقانونية التي يتوجب على الوزراء الالتزام بها مشددا جلالته على ان الاصلاح منظومة سياسية اقتصادية ادارية اجتماعية متكاملة وان هذا الاصلاح لن يحقق اهدافه اذا لم يقترن باصلاح سياسي يضمن اعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
وفي كتاب التكليف السامي الثاني لسمير الرفاعي في تشرين ثاني من عام 2010 أكد جلالته على اولويات محددة ببنود مرقمة ملخصها الاستمرار في عملية الاصلاح الشاملة كخيار استرتيجي تفرضها مصالح الشعب ومتطلبات بناء المستقبل المزدهر و تحقيق التنمية السياسية بما يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار. كما اكد جلالته في البند الثالث على دور السلطة التشريعية الرئيسي في المسيرة الوطنية وان التعاون بين السلطتين التشريعية و التنفيذية متطلب اساسي في خدمة طموحات الشعب واهدافه والتركيز على برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي كسبيل لتوفير العيش الكريم للمواطنين و سيادة القانون للحفاظ على نعمة الامن والاستقرار مع الحفاظ على ضمان العدالة المجتمعية التي تحفظ كرامة الاردنيين وحقوقهم
وفي تكليف الدكتور معروف البخيت تشكيل حكومته الثانية في شهر شباط من هذا العام استهل جلالته كتاب التكليف قائلا " نكلفك بتشكيل حكومة جديدة، تكون مهمتها الرئيسية اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤيتنا الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، لنمضي بها خطوات واثقة على طريق تعزيز الديمقراطية، واستكمال مسيرة البناء، التي تفتح آفاق الانجاز واسعة أمام كل أبناء شعبنا الأبي الغالي، وتوفر لهم الحياة الآمنة الكريمة التي يستحقونها " واضاف جلالته انه و منذ تحمله امانة المسؤولية فقد اعتمد الاصلاح الشامل سبيلا ثابتا وتوفير افضل سبل العيش للاهل في جميع انحاء الوطن موضحا ان هذا الهدف " ً لن يصل إلى مداه من دون إصلاح سياسي يزيد من مشاركة المواطنين في صناعة القرار، ويبني المؤسسات الفاعلة التي تحتضن العمل البرامجي بفاعلية وشفافية، والتي تحتكم إلى تشريعات حديثة وعصرية تنسجم مع أفضل المعايير الديمقراطية. " وتابع جلالته " أن المسيرة عانت من ثغرات واختلالات أنتجها خوف البعض من التغيير ومقاومتهم له حماية لمصالحهم، والتردد في اتخاذ القرار من قبل الكثيرين ممن أوكلت إليهم أمانة المسؤولية، إضافة إلى سياسات الاسترضاء التي قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، فكلفت الوطن غالياً وحرمته العديد من فرص الإنجاز."
وطلب جلالته من الدكتور البخيت اتخاذ الاجراءات الفاعلة لمعالجة اخطاء الماضي والعمل على خطة واضحة للمضي بمسيرة الاصلاح الى الامام من خلال مراجعة جميع القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني والحريات العامة و تطويرها.
اما خطب العرش فلم تخل ايضا من الحث على السير قدما في عمليات الاصلاح بكافة النواحي والمجالات. وفي اول خطاب لجلالته في افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الامة الثالث عشر في الاول من تشرين الثاني عام 1999 و بعد ان تحدث جلالته بصراحة عن بعض المظاهر السلبية كالترهل و التسيب والشللية واستغلال المنصب العام لاغراض شخصية طلب التعهد بوضع حد لهذه الظواهر السلبية البغيضة ،كما وصفها ، وركز جلالته على مسيرة الاصلاح قائلا " لقد كانت مسيرتنا الديمقراطية وستظل، خيارنا الوطني الذي لا رجعة عنه "
وفي المجلس النيابي المنتخب الاول في عهد جلالته قال جلالته في خطاب العرش في كانون الاول من عام 2003 " لقد عقدنا العزم على التغيير والتطوير، وأخذ زمام المـبادرة دون تردد، مهما كانت ا لصعوبات حتى تظل جذور الأردن، راسخة وثابتة، في محيطه وفي العالم، فالأردن في رسالته الهاشمية، هو الأردن الرائد، الأردن المثل والقدوة. "
وفي مراجعة و تقييم لخمس سنوات منذ اعتلائه العرش شدد جلالته في خطاب العرش امام مجلس الامة في الاول من كانون الاول عام 2004 على ان المطلوب من الجميع هو تكثيف الجهود و الاسراع في تنفيذ ما تم وضعه من خطط و برامج لتحقيق التنمية المنشودة التي هي تجسيد للارادة الحرة وليس ردة فعل او استجابة لظروف خارج هذه الارادة وان التشكيك للارادة الحرة بهذه الخطط والبرامج او باردنيتها هو من باب المزايدة او التغطية على اجندات غير وطنية. واردف جلالته قائلا " لقد أطلقنا دعوتنا من قبل إلى تنشيط الحياة السياسية والحزبية، وركزنا على أهمية دور الشباب ودور المرأة في حياتنا السياسية، ودعونا إلى حوار وطني دائم وشامل يعزز مفهوم التعددية واحترام الرأي الآخر، وهذه بالنسبة لنا أولوية لا رجعة عنها، لكنها يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع التنمية الإدارية، آخذين بعين الاعتبار أن التقدم والانفتاح الاقتصادي يشكل رافدا للتنمية السياسية، ولا بد من التذكير هنا بأن الأولوية التي تتقدم على كل الأولويات هي أمن الأردن واستقراره، فبدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن تكون هناك تنمية "
وقد يتساءل البعض عن عدد الوزارات التي شكلت في عهد جلالته وكذلك عن حل البرلمان . ففي رسائل وخطب جلالته تكمن الاجوبة على ذلك . وقد قال جلالته في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية لمجلس الامة الخامس عشر في بداية كانون الاول عام 2007 " المطلوب هو تحسين مستوى معيشة المواطن ، وهذا بالنسبة لنا نهج نلتزم به في الحكم والادارة ، وليس مجرد شعار يتغنى به البعض للوصول الى اهداف مرحلية او آنية معزولة "
وفي الخطاب ذاته قال جلالته " وقد لاحظت في السنوات السابقة أن الحكومة لم تنفذ كل المشاريع والخطط المطلوبة منها، بالرغم من وجود التمويل اللازم لهذه المشاريع. وبالمقابل، كان مجلس النواب يعيق عمل الحكومة بسبب التأخير في إنجاز القوانين والتشريعات الضرورية لتنفيذ خطط الحكومة ومشاريعها. "
يقول المثل الشعبي ان اليد الواحدة لا تصفق . ففي خطاب جلالته بمناسبة الذكرى العاشرة لتوليه سلطاته الدستورية قال " إن مسؤولية بناء الوطن وتحقيق التنمية الشاملة، هي ليست مهمة القائد وحده، بل هي واجب على كل فرد، وكل مواطن يتحمل جزءا من المسؤولية، وعلى الشباب أن يكون لهم الدور الأكبر في بناء الوطن والـمستقبل".
هكذا كان نهج جلالة الملك عبدالله الثاني منذ بداية عهده وما يزال وفي كل المناسبات والمحافل المحلية والعربية والدولية . واذا كان ( الربيع العربي ) قد بدأ في مطلع هذا العام مطالبا بالاصلاحات السياسية والاجتماعية فان عبدالله الثاني ابن الحسين يعمل ودون كلل بهذا الاتجاه منذ اعتلائه سدة الحكم قبل نحو ثلاث عشرة سنة . واستذكر هنا مقتطفا من مقابلة اجرتها مع جلالته صحيفة الحياة في شهر ايار من عام 2005 قال فيها مستبقا بنظرته الثاقبة الاحداث التي تجري هذه الايام بست سنوات " أعتقد بان المنطقة مقبلة على عملية إصلاح واسعة، وهذا ما أدركناه نحن في الأردن من قبل، وكل ما نسعى إليه هو تجذير عملية الديمقراطية وتسريع وتيرة الإصلاح وحث الناس على المشاركة الفاعلة في عملية صنع القرار، والمساهمة في تحديد أولوياتهم واحتياجاتهم "
واقول لذلك المدعي في المجلس الذي تحدثت عنه في مطلع المقال والى كل المشككين او الجاهلين ان التواصل الاجتماعي عبر الانترنت ليس امرا سيئا اذا خلا من التحريض الهدام. واذا كنا نحسن التعامل مع هذه الاداة فسهل علينا ان نستشهد بالمراجع المدونة لا ان نطلق الاحكام جزافا. إذن فان من واجبنا جميعا ان نكون البطانة الصالحة لقائد الوطن ويتحمل كل واحد منا جزءا من المسؤولية في بناء الاردن الذي يبتغيه ويريده لنا.
e-mail: shah.362@hotmail.com