عريب الرنتاوي يكتب : سؤال الملك : من الذي يخاف اليوم ؟!
استوقفني في حديث جلالة الملك للمثقفين والأكاديميين الأردنيين، قوله «إن الأردن ومستقبل فلسطين أقوى من إسرائيل اليوم»...»الإسرائيلي هو الذي يخاف اليوم»...و»إن وضع إسرائيل اليوم - بعد ربيع العرب- أصعب من ذي قبل».
مثل هذا التقدير، يمكنك قراءته في كتابات كثيرٍ من المعلقين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين....لكن حين يصدر عن رأس الدولة الأردنية، فإنه يكتسب معاني ودلالات إضافية...هنا تطغى «المعلومة» على «التحليل»...هنا تُبنى المواقف والسياسات على هذه «التحليلات»...هنا بمقدورك الاستنتاج بأن هذه هي صورة إسرائيل وحدود قوتها، لا كما ترتسم في العيون الأردنية فحسب، بل ومن زاوية نظر عدد أكبر – ربما – من القادة والمسؤولين «ذوي الصلة».
والحقيقة أن من يتابع الجدل الإسرائيلي حول عدد من الملفات، سيصل لا محالة إلى الاستنتاج الذي وصل جلالة الملك إليه وباح به: إسرائيل ليست في أفضل أحوالها...إسرائيل تستعيد إحساس الخوف والقلق...إسرائيل بعد ربيع العرب، ليست كما كانت قبله، ودعونا نقف عند ثلاثة ملفات أساسية:
في الملف الأول، الصراع على جبهة نزع «الشرعية» عن الاحتلال، وطلب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، على حدود العام 1967 عاصمتها القدس....هنا يُطرح سؤال «الشرعية» بقوة على الجانب الإسرائيلي...هنا تبدو المعركة محسومة لصالح «الحق الفلسطيني» برغم أنف الفيتو الأمريكي...هنا تدرك إسرائيل أن للأمر تبعاته وتداعياته، التي إن وجدت من يلتقطها ويتابعها، سوف تدخل إسرائيل في معارك سياسية ودبلوماسية وحقوقية، لن تنتهي أبداً في صالحها.
وربما لهذا السبب بالذات، رأينا كيف حولت إسرائيل «معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية» من معركة سياسية وحقوقية ودبلوماسية، ميدانها الأمم المتحدة، إلى «بلاغ عسكري رقم واحد» واستعدادات أمنية وحربية ميدانية على الأرض، وتحسبات لأسوأ السيناريوهات والكوابيس..في هذه المعركة، يبدو الإسرائيلي «خائفا» بل وخائفا جداً.
الملف الثاني، على الجبهة التركية، حيث لا يبدو أن المعركة مع «العدالة والتنمية» ستضع أوزارها قريباً، برغم الجهود والمساعي الأمريكية والأوروبية...وخلف دخان معركة الاعتذار والتعويض وتقرير بلمار، تدور معارك أخرى حول الأدوار والأحجام والنفوذ...ويستخدم فيها شتى أنواع «الأسلحة المحرمة دولياً» والضربات «تحت الحزام»...أقله من الجانب الإسرائيلي كما تكشّفت عنه، التصريحات الهاذية لليبرمان...إسرائيل التي طالما اعتمدت في هذا الإقليم على تحالفاتها مع القوى غير العربية فيه: إيران وتركيا، قبل أن تندلع الثورة الإسلامية في الأولى، ويتولى العدالة والتنمية الحكم في الثانية...إسرائيل هذه، لم يبق لها سوى قوى غير عربية، هامشية نسبياً، تلعب بها ومعها، للضغط هنا أو لاستعادة التأثير هناك: جنوب السودان والمسألة الكردية.
وتشاء الصدف، أن تتلقى إسرائيل صفعة قوية حادة ومؤلمة، من «مأمنها» المصري، وهي ذروة السعي لوقف الانهيارات المتلاحقة في علاقتها مع الحليف التركي السابق....فالهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، كان حدثاً مشبّعاً بالرسائل والدلالات...كان إيذانا بصفحة جديدة، لم تعتدها إسرائيل في علاقاتها مع الأنظمة العربية...كان البرهان على «أن وضع إسرائيل - بعد ربيع العرب – أصعب من ذي قبل»، وهذا هو الملف الثالث، الذي أردنا تقليب صفحاته.
لن نذهب أبعد من ذلك، فالتطورات في معظم الدول العربية، لا تسير باتجاهٍ مرضٍ للسياسات والمصالح الإسرائيلية، في الدول التي شهدت انتصاراً للثورة والتغيير، أو في تلك التي لم تشهد حراكاً شعبياً انتفاضياً واسع النطاق...وما كان يمكن لإسرائيل أن تحظى به من «رعاية» أو أن تحصل عليه من مواقف وتسهيلات و»تنسيقات أمنية» لم يعد بمقدورها الحصول عليه بعد الآن، في ظل رقابة شعبية عربية كثيفة على أداء الحكومات العربية.
ولن نضيف إلى قائمة «نقاط الضعف»، ما يجري داخل إسرائيل من اندلاع لشرارات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي واسع النطاق...كما لن نضيف إليها «ضيق العالم» المتزايد، وبالذات على المستويات الشعبية والأهلية، بسلوك «أزعر الحي» الذي تتبعه تل أبيب مدعومة بالانحياز الأمريكي.
لهذه الأسباب، وكثير غيرها، يبدو الحديث عن «خوف إسرائيل» و»ضعفها» أو «قوة خصومها بالمعنى النسبي للكلمة» له ما يبرره...وسوف تنجلي صورة هذا الضعف وتداعياته على نحو أوضح وأعمق، لو أن القيادة الفلسطينية تقرر الإصغاء لنبض شارعها «التوّاق» لاستعارة روح ربيع العرب، أقله في محطتيه المصرية والتونسية، في التصدي للاحتلال والاستيطان، ورفع أكلافهما توطئة للرحيل والتفكيك...وتمهيداً لممارسة حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.