كوشنر ومن يقف معه يقرؤون المشهد العربي بشكل مختلف، فهم يرون أن الأنظمة العربية المتحالفة مع واشنطن هي أنظمة تابعة تحتاج أميركا أكثر من حاجة أميركا لها، وهي أيضا ترى بأن بقاء هذه الأنظمة يتطلب التعامل بإيجابية مع ما يطرح من أفكار في أميركا، وعليه فإن المشكلة تكمن فقط في الشارع الذي يعاني من مشاكل اقتصادية يمكن التغلب عليها بأموال خليجية. وعلى هذا الأساس تجرأ كوشنر وغيره على طرح أفكار دخيلة لا يمكن لأي عربي حر أن يقبل بها. والحق أن الشارع العربي داس على ورشة البحرين وعبر عن موقف رافض لهذه الفكرة من أساسها.
فشل ورشة البحرين في تحقيق هدفها المعلن يعكس سذاجة تفكير جاريد كوشنر الذي اعتقد أن دول الخليج ستسارع بتوفير الأموال الطائلة ليتصرف بها بالطريقة التي تخدم اجنداته في تصفية القضية الفلسطينية. قبل يومين أطل علينا كوشنر قائلا بأن القيادة الفلسطينية أخطأت في عدم المشاركة بورشة البحرين، ووصل به الأمر بوصفها بأنها قيادة "حمقى”. وفي الوقت ذاته يتجاهل هذا الشاب كيف قام أعضاء فريقه وعلى رأسهم السفير الأميركي ديفيد فريدمان باستخدام المطرقة (ليس فقط لفتح نفق جديد في القدس إرضاء للمستوطنين) لضرب أي مصداقية لهذا الفريق.
لا أعرف كيف سيكون رد المتحمسين لورشة البحرين على تصريحات كوشنر، ولا أعرف إن كانوا سيستمرون في دس رؤوسهم في الرمال، لكن ما أعرفه شخصيا هو أن صفقة القرن تأتي فقط للإجهاز على القضية الفلسطينية وبمباركة عربية. نتفهم جيدا الاعتمادية الاقتصادية للأردن مثلا على الولايات المتحدة وعلى بعض العواصم التي تتقارب مع تل أبيب لكن لا نتفهم أبدا الانصياع وراء هذا المشروع الذي يستهدف فلسطين والأردن معا. لكن لا أتفهم إصرار بعض الشخصيات "المستقلة” في الترويج لأفكار كوشنر والدفاع عنها وعدم انتقادها الا في سياق سلوك غير وطني وتبعية ، وعلى الاجهزة الأردنية الانتباه لهم ومراقبة من يمولهم وارتباطاتهم الخارجية. هذه العينة من الأردنيين على قلة عددهم لا تمتلك جرأة انتقاد إسرائيل وهي تدافع عن عواصم تقترب من تل أبيب وترى بأن العدو الاستراتيجي للمنطقة هو إيران وليس إسرائيل. وهذه الشخصيات تقرأ من نفس الصفحة التي كتبت في تل أبيب.
على الرغم من هذه العينة (حمولة باص كوستر) إلا أن الشارع الأردني وقف وقفة عز في تحديه لطروحات كوشنر ابتداء من ورشة البحرين وانتهاء بصفقة القرن، وفي نهاية الأمر من يضع الخط الأحمر هو الشارع الأردني الذي لا يمكن أن يدفع الأردن ثمن مراهقة كوشنر السياسية ولا تواطؤ المستفيدين من كوشنر. والأهم أن تصريحات كوشنر الأخيرة أسقطت ورقة التوت عن الجميع، فأي انسياق في جهود كوشنر تعني ضمنيا التعاطي الايجابي مع أفكاره التي نجحت لغاية الآن في تغيير مرجعيات عملية السلام التي تشكل الحد الأدنى الذي يمكن القبول به فلسطينيا.