ساعتان في الأمن العام
يوم السبت الماضي أمضينا -مجموعة من معشر الصحفيين- أكثر من ساعتين ضيوفاً عند الأمن العام، للاستماع إلى إيجاز مفصل من قبل مدير الأمن العام الفريق حسين المجالي وعدد من مساعديه، حول الوضع الأمني بشكل عام في البلاد، وحالتي المخدرات والسير بشكل خاص.
المؤتمر الصحفي كان شفافا بالمعلومات، وخطاب الفريق المجالي كان عفويا، ومن دون تحسس وتغليب الأمني على الإعلامي، حتى عندما سئل عن إشاعة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، أجاب ولم يهمل السؤال الذي جاء في غير مكانه.
تحدث المجالي في كل القضايا الأمنية، واعترف أكثر من مرة أنه ينتظر دورا من الإعلام للمشاركة في معالجة بعض القضايا، وبخاصة قضية المخدرات التي أبدى تخوفاً منها، متسائلا إلى متى سوف نبقى دولة مرور للمخدرات فقط. ولم ينكر وقوع تجاوزات داخل السجون، وبخاصة مراكز التوقيف. وانتقد التراخيص العشوائية لـ"مولات" ومراكز تجارية، واعترف بوجود خطأ في التنسيق مع الجهات المعنية، وبأن جهاز الأمن العام يعاني من الاختناقات المرورية نتيجة ضعف هذا التنسيق. كما اشتكى من قلة الكادر، وأن بعض المحلات التجارية، خاصة "المولات وأشباه المولات" استنزفت الكادر الأمني في إدارة السير، حتى وصل إلى أن يتساءل بعتب شديد "هل أخصص 200-300 ألف فرد لإدارة السير بسبب أهواء سوء التخطيط؟".
كما لم يكن مدير إدارة السير العميد عدنان فريح، أقل امتعاضا عندما تحدث عن سوء التخطيط والتراخيص العشوائية. وعندما تحدث عن أسباب الازدحامات المرورية، أشار إلى عدة أسباب أبرزها أن في عمان 700 ألف سيارة، ويأتي إلى العاصمة نحو 100-200 ألف سيارة يوميا، فضلا عن السيارات الحكومية التي تجوب شوارع العاصمة.
المجالي، وبعفوية السياسي لا الأمني، قال إن الحراك السياسي استنزف جهاز الأمن العام وإمكاناته وكوادره وطاقاته. وقال إن من حسنات الأردن أن الجهاز الأمني لا ينتمي إلى فئة أو طائفة أو منطقة بعينها، وكل الأردنيين شركاء في هذا الجهاز.
المجالي ومساعدوه تحدثوا في كل شيء له علاقة بالأمن، وظهرت بوضوح إنجازات في مكافحة الجرائم وطرق الكشف عنها، كما ظهرت القدرة على كشف مرتكبي سرقة السيارات، وبنسب عالية جدا. لكن بقي الحديث عن المفهوم الأمني بطرقه التقليدية، ولم نستمع إلى مفهوم جديد للأمن في زمن الإصلاح والتحديات الديمقراطية الجديدة، مثلما لم نستمع سابقا، وفي أي يوم من الأيام، إلى أن الأمن غيّر من أدواته. فبعد عشرين عاما على انتقال البلاد من الأحكام العرفية في بداية التسعينيات، والولوج نحو بوابات التغيير الديمقراطي، ما تزال متابعة الأمن للأنشطة السياسية والاجتماعية والشبابية والاحتجاجية لم تتغير. مهمة الأمن في زمن الأحكام العرفية هي غيرها في زمن التغيير والولوج إلى بوابات الديمقراطية، ليس فقط بالوسائل والأدوات بل بالفكر والممارسة.
معظم الأخطاء التي تقع في البلاد حاليا نتيجة عقلية أمنية ما تزال غير منسجمة مع المتغيرات، وبعضها غير متطابق مع خطاب الإصلاح ولا مؤمن به، فما يقع من أخطاء لا تصلحه لجنة تحقيق لمعرفة المتسبب في الحدث، وإنما تصلحه عقلية جديدة تنظر إلى دور جديد للأمن في زمن التغيير.
مجحف حقا من لا يعترف أن تطورا لافتا بدا على عمل الجهاز الأمني، انعكس على ما يقوم به من إنجازات في مكافحة الجريمة بكافة أشكالها، والخدمة التي تقدم للمواطنين، وحتى النظرة المجتمعية لرجل الأمن، لكن العقلية التي فكرت لحظة باستخدام "منقل الشواء" لضرب المواطنين، هي التي تحتاج الى معالجة، وهي التي بالضرورة تعكس، مهما قيل، النظرة الأخيرة لرجل الأمن، والتطور الذي وقع على أدائه.