رد على النتن ياهو من الذي لا يريد السلام
اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته يوم الأحد الماضي الفلسطينيين بأنهم مصممون على مواصلة الصراع مهما كان الثمن بما في ذلك ثمن رفاهيتهم أنفسهم وأضاف من يريد السلام لا يتصرف هكذا وقال نحن خلافًا لهم نواصل العمل على تعزيز علاقاتنا مع العالم العربي لأن هذا يخدم الجميع وأعاد نتن ياهو تكرار تصريحات صدرت عن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة على هامش الورشة التي عقدت مؤخرا في المنامة والتي قال فيها إن ( إسرائيل هي دولة في الشرق الأوسط وجزء من التراث الإقليمي وهناك مكان للشعب اليهودي بيننا ) وهو كلام لم يلقى ترحيب شعبي وقد زعم نتن ياهو أن أساس الصراع الحالي في الشرق الأوسط هو إيران والإسلام المتطرف وليس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لا تريد القيادة الفلسطينية حله
من المعلوم ان قادة إسرائيل وشعبهم أداروا ظهورهم مبكرا لعملية السلام وانقلبوا على متطلباتها وحطموا سيكولوجية إمكانية العيش المشترك ومارسوا وعيا مزدوجا مخادعا على العقل الفلسطيني ليصنعوا سلام الأقوياء على الضعفاء يأخذوا فيه كل شئ بعدما هيئوا جملة من الظروف والمناخات التي ساعدتهم في إنشاء حلمهم وحماية وجودهم في المقابل رفضوا قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتنكروا لحق العودة والتعويض واستعدوا كل مشاريع السلام والتسوية بما فيها مشروع رابين ابن جلدتهم وديانتهم حيث اعتبروا طرحه مأساة يهودية صنعت بعقول وأيدي يهودية ناشزه ومنحرفة لهذا احلوا دمه وأجازوا قتله وأزاحوه من تاريخ عظمائهم القتلة والمجرمين ورغم كل ذلك لم يترك الإسرائيليون مناسبة او منبرا إعلاميا محليا أو دوليا إلا وكالوا فيه الاتهامات للفلسطينيين بأنهم متطرفون وإرهابيون لا يريدون السلام ولا يسعون إليه وان هدفهم القضاء على دولة إسرائيل بالمقاومة الشعبية المسلحة ولم يتوقف الأمر عند اتهام بعض الجماعات والتنظمات الفلسطينية بل طالت الاتهامات الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بالرغم من التزامهم الكامل بالاتفاقات والمعاهدات الموقعة بينهم بما فيها الاعتراف بإسرائيل وبقرارات الشرعية الدولية والتنسيق الأمني
الوقائع والمراحل التاريخية المختلفة تشهد بان التوجهات السياسية والنضالية الثورية والعسكرية الفلسطينية تغيرت مع الزمن بشكل واضح تمشيا مع رغبتهم الصادقة في تحقيق السلام والتعايش مع الإسرائيليين ضمن حلول عادلة ومقبولة حيث اعتمدوا مجموعة قرارات الشرعية الدولية التي تعترف بإسرائيل في دورة المجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في الجزائر عام 1988 و قبل ذلك بكثير تقدموا وتبنوا حلول ومبادرات إنسانية وواقعية حين رفع المجلس الوطني الفلسطيني رسميا عام 1971 شعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتعايش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون كمواطنون متساوون بالحقوق و الواجبات مع نبذ العنصریة والتفرقة في اللون والجنس أو العقیدة أو الدین وقد رفضت إسرائيل آنذاك هذه المبادرة وفي اكثر من مرة أكد الفلسطينيون التزامهم الثابت بالسلام والاعتراف المتبادل بعدما اعترفت منظمة التحرير بحق إسرائيل بالوجود من خلال توقيع اتفاقية أوسلو والتي لا زالت إسرائيل تتهرب من الالتزام بها بالرغم من امتثال السلطة الفلسطينية لكل بنودها واستمرار اعترافها بدولة إسرائيل ولا زال الفلسطينيين ملتزمين بكل ما نصت عليه خطة خارطة الطريق عام 2002 لإحلال السلام والاتفاق على حل الدولتين مع إسرائيل
ولم يتغير الفلسطينيون وحدهم فقط بل تغير معهم الكثير من العرب وعبروا عن حسن نواياهم اتجاه مسيرة السلام حيث وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد 1979 والأردن اتفاقية وادي عربة 1994 وأبدوا استعدادهم للاعتراف الجماعي بدولة إسرائيل في حالة انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967 وسماحها بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وهو ما تضمنته مبادرة السلام العربية 2002 والتي رفضتها إسرائيل أيضا والعجيب انه كلما تغير الفلسطينيون وتوجهوا نحو الاعتدال والرغبة في الانخراط بعملية السلام تشددت إسرائيل وتمسكت أكثر بمشروعها الصهيوني الاستعماري الأول بدل من تجاوبها وتفاعلها مع مبادرات السلام الفلسطينية والعربية والدولية وعلى العكس دائما كانت تسارع في زيادة مشاريع الاستيطان والتهويد وتضع مزيد من العقبات أمام قطار السلام كطلبها من الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة ومحاولتها إغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه واعتبارها الاستیطان وسلب الأرض الفلسطینیة حق من حقوق الدولة الصھیونیة المشروعة
الإسرائيليون بشكل عام لا يريدون السلام مع الفلسطینیین ويفضلون الحرب لأنها ورقتهم الرابحة وبها يتفوقون على الفلسطينيين والنتن یاھو وحكومته بشكل خاص أيضا لا یریدون السلام حين يستخدمون آعتى ما توصلت إليه آلة الحرب الإجرامية لقتل الأطفال و كبار السن والمدنیین وتدمير المساكن والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس وحصار المدن ومنع العلاج والدواء والغذاء وحتى اليوم لا زالوا یتصرفون مع شعب فلسطين كالاستعماریین العنصریین الذين شاھد العالم إجرامهم ذات يوم في الھند وجنوب إفریقیا والجزائر
عملية السلام شهدت على مر السنين العديد من الأحداث الاحتفالية التي انتهت بالإحباط والخيبة بعدما أصبحت تمنح الإسرائيليين الغطاء لإكمال مشروعهم الصهيوني في الضفة الغربية والقدس على مستويات التهويد وبناء المستوطنات وغير ذلك من قضايا أخرى والأميركيين كذلك لا يريد ون حلا عادلا للقضية الفلسطينية وهم ضد الفلسطينيين ولم يعودوا وسطاء محايدين او نزيهين بعد ان أخرج ترامب القدس من عملية السلام بإعلانها عاصمة إسرائيل وأوقف المساعدات للمؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية ووضع الفلسطينيين تحت سيطرة إسرائيل واعتمد على فريق صهيوني منحاز بشكل كامل لإسرائيل ( جاريد كوشنر وغرينبلات وديفيد فريدمان ) الذين صاغوا صفقة العار هؤلاء لا يمكنهم أن يقدموا حلولاً يمكن أن تؤدي إلى تحقيق السلام الدائم والعادل وان امريكا تدرك مسبقا ان خطتها للسلام والتسوية للمشكلة الفلسطينية ستكون مرفوضة مسبقا وغير قابلة للتطبيق رغم سياسة التهديد بالعقاب التي استعملتها إدارة ترامب مع الجميع
حيث تريد امريكا أن تضلل للعالم بأنها منحت المنطقة والفلسطينيين الفرصة الأخيرة للسلام وان تعنتهم ورفضهم هو الذي أضاعها وليس واشنطن او تل ابيب وهذا ما حصل بعد كامب ديفيد ٢ و ما حصل بعد محاولات جون كيري أما بعد ورشة البحرين فعلينا توقع ضغوطات كبيرة وفرض حقائق أصعب ولكن مقابل كل ذلك على الإدارة الأمیركیة ان تعي جيدا خطورة التلاعب بالكلام والألفاظ على حساب الحقوق التاريخية الثابتة للشعب الفلسطيني وان عدم تنفیذ وعدها بإقامة دولة فلسطینیة مستقلة سیكون بدیله حرائق مستعرة تشتعل في كل مكان وأن صفقة القرن المشؤومة ليست هي الأداة المثلى للوصول إلى السلام وان سياسة تشديد الخناق وممارسة الدبلوماسية القسرية وفرض الإملاءات والتهديد والوعيد وشتى أشكال الضغط السياسي والمادي لم تعد تجدي مع الشعب الفلسطيني الصامد وقيادته الشرعية التي رفضت كل الصفقات المشبوهة الهادفة لتصفية قضيتهم وبيع وطنهم وليعلم ترامب وفريقه المتصهين إن الحقوق الفلسطينية لا تباع ولا تشترى ولا يمكن لأي كان في العالم أن يجبر الفلسطينيين على التنازل عن حقوقهم مهما كانت التحديات أو الإغراءات وان الطريق إلى تحقيق السلام واضح ويجب أن يستند على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لا على أوهام اقتصادية تستبدل الأرض مقابل السلام والازدهار ويجب ألا يكون تقديم المال والمشاريع الاقتصادية وبرامج الدعم والتطوير على حساب الثوابت الوطنية الفلسطينية ولا على حساب القدس ولا على حساب حق العودة ولا على حساب السيادة ولا على حساب المقاومة وإن السلام الحقيقي المنشود يحتاج " للمسارين السياسي والاقتصادي " معا وانه يجب ان يكون مفهوم بان الأخطار التي ستواجه إسرائيل ستتفاقم في المستقبل ما لم يتم تحقيق السلام على أساس حل الدولتين الذي يشكل الضمانة الحقيقية للأمن والاستقرار للجميع في الشرق الأوسط وفي سياق إقليمي شامل
الفلسطينيين استطاعوا تجاوز مواثيقهم السياسية وأدبياتهم الفكرية ورؤاهم الثورية الأولى الصارمة التي كانت تطالب بتحرير كامل تراب فلسطين من البحر الى النهر وإنهاء وجود دولة إسرائيل وحتى حركة حماس المقاومة تغيرت في مسارها السياسي بعد وثيقتها الأخيرة (ميثاقها الجديد) إذا المشكلة عند الكيان الإسرائيلي المتغطرس الذي مع كل يوم يمر يؤكد عنصريته وعدوانيته ليس فقط على مستوى الحكومات اليمينية المتعاقبة ( كل الحكومات الإسرائيلية حكومات يمينية متطرفة و مجرمة ) بل وعلى مستوى المجتمع الإسرائيلي الذي يزداد تطرفا وعنفا ليس فقط في مواجهة فلسطينيي الضفة وغزة بل أيضا في مواجهة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر 48 والسؤال المطروح هنا إلى متى يمكن أن يستمر الفلسطينيين في مد يدهم للسلام والالتزام بنهج التسوية والمفاوضات مقابل استمرار إسرائيل في الاستيطان والتهويد والعدوان والتنكر للاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية مع وجود إدارة أمريكية داعمة ومساندة للاحتلال والعدوان والتجاوزات الإسرائيلية وفي المحصلة إذا كان خطاب ومنطق الاعتدال ومبادرات السلام والتنازلات الفلسطينية والعربية ستؤدي إلى استمرارية ضياع الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني فلا بد مع كل هذا من تصحيح المسار والتعامل مع إسرائيل بنفس منطقها ونهجها وعدم ترك الاحتلال يتمادى دون أية مقاومة ومواجهة وضربات ضرورية رادعة وموجعة مهما كلف الثمن وكان القادم أسوء
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الفلسطينيين تمسكهم بخيار السلام والتفاوض مع إسرائيل على قاعدة الشرعية الدولية فأنهم يحتفظون بحقهم الأصيل في المقاومة المشروعة التي يكفلها القانون بمختلف إشكالها من العصيان المدني حتى خيار " النضال المسلح " إذا ما استمر تجاهل الحقوق الفلسطينية وتوقف المفاوضات وفشل سبل الوصول إلى حلول عادلة ومرضية في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يواجهها الفلسطينيين ( بسلطة لا تملك أي سلطة ) في مجابهة مشروع صفقة القرن الحل الأمريكي - الإسرائيلي التي سوف تدفن فكرة الدولة الفلسطينية " حل الدولتين " وستشرع الاستيطان وتهويد القدس وتسرع في ضم ألضفة الغربية وتلغي حق العودة وكافة حقوق اللاجئين بتوطينهم في الأردن ولبنان ومصر وتفصل غزة عن باقي فلسطين وتحولها إلى مشكلة مصرية وتخضع الفلسطينيين لنظام احتلال إسرائيلي وأبارتهايد عنصري دائم وتقطيع أوصال وطنهم وتفرض التطبيع المجاني بين الدول العربية وإسرائيل دون إنهاء الاحتلال أو إقامة دولة فلسطين وتلغي ما يسمى بالمبادرة العربية
وأخيرا رغم انف المعتدين والمحتلين الغاصبين والخونة المتآمرين سيبقى الفلسطينيين خط الدفاع الأول وحائط الصد العنيد والمنيع في وجه المخططات الصهيو – أمريكية لن يتنازلوا عن حقوقهم وأرضهم ولن يشاركوا في مؤامرة سلام خادعة وظالمة وعلى هذا القدرالكبير من السخافة التاريخية والابتذال السياسي
mahdimubarak@gmail.com