مؤتمر هرتسليا والتفكك الصامت


مؤتمر هرتسليا جاء هذا العام انعكاسا لأحداث عام كامل في فلسطين المحتلة؛ ابرزها تفكك التحالف الحاكم بعيد المواجهة مع المقاومة في قطاع غزة؛ مواجهة افضت الى استقالة وزير الدفاع زعيم حزب (اسرائيل بيتنا) ليبرمان وانسحابه من الائتلاف الحاكم.
المواجهة مع قطاع غزة لم تصلح كرافعة لليبرمان ولا لرئيس الوزراء نتنياهو حينها ولم يتمكن ليبرمان من كسب عقول وقلوب المستوطنين في الغلاف؛ مضيفا الى اعبائه عجزه عن التعايش مع المتدينين في الائتلاف الحاكم بسب الخلافات على التجنيد الاجباري.
رغم اهميته المواجهة مع قطاع غزة واثرها السلبي في ليبرمان الا انه ركز في ورقته في مؤتمر هرتسليا على المدارس والاكاديميات الدينية في الكيان الاسرائيلي خصوصا الاكاديميات شبه العسكرية.
هجوم اراد من خلاله الدفاع عن سياساته الاخيرة التي اسقطت حكومة نتنياهو وافشلت المحاولات لتشكيل حكومة ائتلافية بعيد الانتخابات الاخيرة؛ ليتحول المؤتمر الى منبر للحملات الانتخابية وساحة امتد اليها التصارع الداخلي في الكيان الذي كان محوره هوية الدولة ومكانة الدين فيها؛ فليبرمان وعبر منبر هرتسليا حسم خياراته برفض التحالف مع المتدينين.
المؤتمر مثل انعكاسا للتصارع الداخلي خصوصا حول الدين ومكانته؛ فليبرمان اكد استحالة فصل الدين عن الدولة، غير انه دعا الى فصل الدين عن السياسة وهي معادلة غريبة وشاذة لدولة تعتبر نفسها يهودية؛ مبررا وجهة نظره بقوله انه تحدث إلى طلاب في أكاديمية دينية شبه عسكرية، وسألهم إذا ما أعطاهم حاخامهم تعليمات متضاربة مع قائدهم العسكري فمن سيطيعون فقالوا: حاخامهم.
ليبرمان ذهب ابعد من ذلك بالقول «إن قصة الأكاديميات الدينية هي أنها تتطور في اتجاه الميليشيات الدينية الخاصة كنوع من الكتائب»، وهو بذلك يحذر من جسم خارج عن سيطرة الدولة ويتمتع بأجندة سياسية مستقلة؛ الا انه لم يوضح ان كان دمج المتدينين في المؤسسات العسكرية سيقود الى اخضاعها لسلطة رجال الدين فالعلاج المقدم يفضي الى داء اخطر.
على كل حال، ليبرمان عاد ليتمسك بشرطه الاساس في اخضاع المتدينين للتجنيد العسكري، مضيفا بعدا جديدا للصراع بدعوته واخضاع الاكاديميات الدينية شبه العسكرية لوزارة الدفاع في الكيان الاسرائيلي وليس لوزارة التربية؛ وهو السبب المباشر لفشل تحالفه مع نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة بعد رفض حزب (يهودت هتوراه)؛ فليبرمان يعتبر معركته الاساسية مع المتدينين والحريديم بل ودعوته الى تشكيل حكومة موسعة تضم الليكود وابيض ازرق بزعامة غانتس وحزبه لتوحيد الجهود لمواجهة الحريديم.
ما يمكن ملاحظته في حديث ليبرمان ان الملف الاكثر تفجرا في الكيان بات المتدينين ودورهم السياسي والعسكري وخطورته على اجندة الدولة وتماسكها؛ ملف بات اكثر خطورة من ايران او قطاع غزة واكثر اهمية من صفقة القرن التي يعتبرها ليبرمان شعارات انتخابية لنتنياهو؛ وهي ذات الشعارات لإدارة ترمب.
تقديرات ليبرمان لن تجد لها صدى لدى نتنياهو وحزب الليكود؛ او السفير الامريكي فريدمان او جيسون غرينبلات المنشغلين في افتتاح الانفاق الاستيطانية والمستوطنات في سلوان؛ فحلفاء الكيان يغذون التيار الديني المتطرف الذي يحذر منه ليبرمان؛ وبذلك فإن القدرة على تشخيص دقيق لواقع الكيان الاسرائيلي بات اكثر غموضا حول مستقبله وتماسك نظامه السياسي؛ وهنا تكمن معضلة الكيان الخفية بالتفكك الصامت المختبئ تحت عباءة المشاريع الكبرى.