عطا الله حنا المطران الثائر في ثوب الراهب
بداية يجب ان نؤكد ان الفلسطيني مهما كانت ديانته لن ينسلخ عن قضيته ومصيره فهو يقاوم عدو محتل واحد يريد أن يقتلعه من وطنه وان القدس ستبقى مدينة الله والمؤمنين بالحرية والمحبة والسلام مهما طال أمد القهر والظلم والعدوان
سيادة المطران الأرشمنديت عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذكس في القدس قامة فلسطينية وعربية سامقة غني عن التعريف فهو شخصية وطنية تحررية برؤيا تقدمية معتدلة وحدوي ووطني وعربي شعاره الدائم ( لا بد أن نكون جميعاً في بوتقه واحدة هدفنا الدفاع عن القدس وتحرير الأرض ) وهو ثائر مقدسي بقلب وعقل متدين لكنه لم يستخدم الدين يوما لهدف ولم يسيسه لغاية شكل بشجاعته وحكمته وصموده علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني الحديث ونموذج للمؤمن المناضل ضد العصبية والتعصب مسيحي الديانة ومسلم الهوى وفلسطيني الهوية النبيل الشريف الذي رفض أن يرى المستوطنون يدنسون الأقصى و يبقى هادئاً ويعتدون على المرابطات في باحاته وساحاته حيث تتعانق الجوامع مع الكنائس ويختلط صوت الآذان مع أجراس الكنائس ويظل صامتا وقد وقف ذات يوم على رأس وفد مسيحي ديني في قلب المسجد الأقصى المبارك وهتف ضد الاحتلال ومخططاته بحق المسجد والمقدسات الإسلامية وهتف باسم فلسطين وشعبها ووكم مرة ايضا هتف لغزة ومقاومتها وقال أنا عربي فلسطيني أفتخر بأني مسيحي من الشرق وطالب العالم بالوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الحق لأصحابه وفي أكثر من مناسبة قال ( نحن كمسيحيين ننتمي لهذه الأرض نرفض أي خطوات تسيء لانتمائنا المسيحي المشرف مثلما يسيء لنا المنادون لتجنيد المسيحيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي فهؤلاء لا يمثلونا ) وأن الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يقبل بحلول استسلامية غير منصفة او سلام هو في واقعه استسلام وأن مفهوم العدالة الحقيقي يقتضي زوال الاحتلال الإسرائيلي ومظاهره العنصرية بكل إشكالها وألوانها وأن مدينة القدس التي من المفترض أن تكون مدينة للسلام أضحت بعيدة كل البعد عن السلام بسبب سياسات الاحتلال القمعية العنصرية والإقصائية وإن سلطات الاحتلال وأذرعها من المستوطنين تعمل على تغيير الحقائق في القدس المحتلة وطمس معالمها وتزوير تاريخها وتهجير الفلسطينيين بهدف تهويدها بالكامل ومخطئ من يظن بأن الفلسطينيين سوف يتنازلون عن ثوابتهم وحقوقهم مقابل المال السياسي فكل حبة من ثرى فلسطين تعني بالنسبة ألينا التاريخ والهوية والتراث والانتماء والجذور العميقة في تربة هذه الأرض المقدسة
المطران حنا صاحب الشخصية الوطنية الحرة قرر الثورة والثأر والانتقام لشعبه ووطنه حيث جهر بالحق وخاض الصعاب وتحمل الآلام وسار على خطى المعذب " السيد المسيح عليه السلام " الذي احتمل الآلام من أجل السلام للناس وافتداهم بعذاباته حين جسد مبدأ المحبة والتسامح ولم يجد بديلا عن العدالة فأصبح رمزا حيا للانتصار الروحي العربي والفلسطيني على المحتل الغاصب هاجسه الأول أن يعيش في دولة فلسطينية مستقلة وهو يردد دائما بقوة وإصرار في كل المحافل المحلية والإقليمية والدولية " إننا أصحاب قضية عادلة ولسنا إرهابيين وان مقاومتنا مشروعة " تهدف الى استرجاع حقوق شعبنا المكفولة في القانون والدين وأنني كفلسطيني وعربي مؤمن بيسوع وبالديانات الأخرى ومنحاز لشعبي المشرد ضد الغزاة والطغاة ومن حقي التحرك والدفاع عن عدالة قضيتي والمطالبة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وقيام دولته الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية
وقد بقي المطران عطالله على عهده كمفكر ومقاوم وثائر ووطني لم يستسلم للمحتلين مشهور بمواقفه الوطنية المتضامنة مع الحق والعدالة في كافة الأوساط الفلسطينية والعربية من مسلمين ومسيحيين وهو يؤكد لهم بأن ( مفاوضات السلام التي انطلقت قبل 20 عاما كانت أكذوبة وأضحوكة كبرى ) ويناشد العرب والمسلمين بعدم ترك مدينة القدس لقمة سائغة للاحتلال الساعي للنيل من عروبتها وإسلامها وأقصاها وتشويه وجهها وان انهماك العرب بصراعاتهم وما يحدث في بلدانهم هي فرصة ذهبية لإسرائيل لكي تمرر مشاريعها في مدينة القدس بالاستيلاء على المسجد الأقصى وليس تقسيمه فقط وطالب بوضع إستراتيجية ومخطط عملي هادف لدعم مدينة القدس والمقدسيين من خلال مؤازرتهم في بناء المشاريع الإسكانية التي يحتاجونها ودعا الفصائل الفلسطينية المختلفة الى التوحد على أساس الثوابت الوطنية وهي زوال الاحتلال وتحرير القدس واستعادة الكرامة والحرية وإنهاء الانقسام الفلسطيني وانه لا توجد هنالك قوة في هذا العالم قادرة على شطب فلسطين من على الخارطة فهي موجودة داخل الوطن وخارجه في مخيمات اللجوء وفي بلاد الانتشار وان الفلسطينيون حيثما كانوا وأينما وجدوا هم متشبثون ومتمسكون بثوابتهم وحقوقهم وانتماءهم لهذه الأرض المقدسة ومهما أغدق المال السياسي لشراء الذمم وتمرير المشاريع المشبوهة فإن كل هذا سيصل الى طريق مسدود لان الشعب الفلسطيني في كل مكان سيقف سدا منيعا أمام المؤامرات والمشاريع والأجندات المشبوهة التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية
وقد واجه المطران عطا الله ظلما شنيعا ومعاملة سيئة بعد قرار المجمّع المقدس التابع لبطريركية الروم الأرثوذكس الذي يترأسه البطريرك اليوناني " ثيوفيلوس " الثالث بطرده من كنيسته وفصله من أخوية القبر المقدس بعد مطالبته بتطبيق القوانين الكنسية التي من شأنها أن تنصف الرهبان والكهنة والمطارنة العرب في الكنيسة الأرثوذكسية التي يسيطر عليها البطاركة اليونانيين منذ عام 1534 والذين يتعرضون منذ زمن طويل إلى التمييز والإقصاء والتهميش إضافة الى كشفه تآمر البطريركية في موضوع بيع بعض ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية للصهاينة ودولة الاحتلال الإسرائيلي خاصة في زمن البطريرك اليوناني السابق "إيرينوس " الأول وطالب المسيحيين بالتصدي لما وصفه بالمؤامرة الكبيرة التي كانت تتعرض لها الكنيسة الأرثوذكسية في القدس كما تعرض قبل سنوات لاعتداء سافل وحقير من قبل طلبة يهود مستوطنين عند خروجه من دير حبس المسيح وسيره في طريق الآلام باتجاه البطريركية وكانت عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي " عنات بيركو " دعت إلى سحب الجنسية الإسرائيلية من المطران عطا الله حنا بعد زيارته لسوريا مؤخراً ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد والتي أثارت غضب السلطة الإسرائيلية
في أوائل عام 2010 نادي المطران عطا الله بوثيقة صدرت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية تهدف إلى مخاطبة الغرب وخصوصاً الكنائس الغربية من أجل الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية واعتبرها مناشدة ورسالة من مسيحيي الأراضي المقدسة إلى كافة مسيحيى العالم بضرورة التحرك من أجل حماية المقدسات في فلسطين وتحديداً في مدينة القدس لما تمثله من مكانة دينية خاصة لدى جميع الطوائف المسيحية في شتى بقاع العالم
وقال ان المرحلة التاريخية التي نمر بها تحتاج منا جميعا الى مزيد من الوعي والحكمة والرصانة والصدق والوطنية الحقة كما وتحتاج الى دور فاعل للجاليات الفلسطينية والعربية المنتشرة في سائر ارجاء العالم بهدف ايصال الصورة الحقيقية لما يحدث في ارضنا المقدسة والعمل على ابطال وافشال كافة المؤامرات والمشاريع المشبوهة التي تستهدفنا جميعا ولا تستثني احدا على الاطلاق وان ترامب ووكلاءه وادواته ليسوا مخولين بشطب حقوقنا والغاء وجودنا ومهما كثر المتآمرون على مدينة القدس وعلى قضيتنا الفلسطينية الوطنية العادلة لتمرير صفقة القرن المشؤومة فاننا على يقين ان شبابنا الفلسطيني المثقف الوطني والواعي سيتصدى لهذه المؤامرات وان الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وطوائفه ومكوناته لن يقبل ولن يستسلم لهذه الصفقات والمحاولات الهادفة لتصفية قضيتنا وابتلاع وسرقة مدينة القدس بشكل خاص
المسيحيون جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومكون أصيل ومهم ولهم دور كبير في الدفاع عن العديد من القضايا الوطنية المركزية وتحديدا مدينة القدس لم يتنازلوا عن انتمائهم للمشرق العربي وقد قاموا بالكثير من الأنشطة والمبادرات لحماية المقدسات سواء أكانت إسلامية أو مسيحية وكثيرة هي المرات التي كان يعتكف فيها الشباب المسيحي مع إخوانه المسلمين في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وقد أسهموا على مدار تاريخهم بتنمية المجتمع الفلسطيني من النواحي الثقافية والفكرية والسياسية ومواقفهم الوطنية والإنسانية التاريخية العابرة للزمان والمكان تشكل بناء ثقافيا حضاريا مشتركا نعتز به وللكنيسة في فلسطين دور محوري في مسيرة المقاومة والتنمية والبناء وقد شكلت أحد أعمدة النضال الوطني ضد الاحتلال ولأبناء شعبنا الفلسطيني المسيحيين مواقف مشرفة في مسيرة النضال نحو الحرية والعدالة والاستقلال وهو الأمر الذي تنبهت له الحركة الصهيونية مبكرا فعملت على إفراغ الأرض من أهلها المسيحيين وحرمانهم من حقهم بالمواطنة عبر تبني سياسات ممنهجة تقوم على تهجيرهم القسري كما حدث عامي 1948 و1967 وأن الذاكرة الوطنية والثقافية والحضارية والفنية والعلمية والأكاديمية لفلسطين لا تكتمل سطورها ولا تستوي حروفها دون استذكار الدور المركزي والمحوري للفلسطينيين المسيحيين بما يؤكد بان المسيحيون الفلسطينيون ليسوا أقلية عابرة ولا طائفة طارئة إنما هم أهل الأرض الأصليين وهم شركاء الماضي والحاضر والمستقبل والصمود ومقاومة كل أشكال التهجير والتضييق من قبل الاحتلال
المطران الوطني ألمخلص صاحب ألعقلانية المؤثرة والدبلوماسية المشهودة هو واحد الناس الشرفاء الكثيرين في فلسطين على مختلف انتماءاتهم قرأ القرآن الكريم كاملا خمس مرات ولا يشعر بالحرج حيال ( شعار الإسلام هو الحل ) ودائما يكشف عن عشقه واعتزازه بلغة الضاد العربية الفصحى ويحرص على مكانتها رغم إجادته الإنكليزية واليونانية والسريانية وهو مؤمن بالقومية العربية والثقافة العربية ولد المطران عطا الله في رامة الجليل عام 1965 أنهى دراسته الابتدائية والثانوية قبل التحاقه في المدرسة البطريركية في القدس سافر إلى ليونان وحاز عام 1990 على شهادة الدكتوراه في اللاهوت بعد مكوثه سبع سنوات في جامعة سالونيكي عين مطرانا في القدس قبل عدة سنوات اكتشف خلالها أن البطريركية في واد والرعية الفلسطينية في واد آخر فانحاز لها محتجا على تسريب بعض أراضيها لجهات صهيونية
نرجو لسيادة المطران عطا الله حنا ( مطران العرب ) دوام الصحة والعافية والتوفيق والنجاح في كل مواقفه الشريفة التي لا تقدر بثمن هذا الرجل القدوة البطل الذي يدافع عن أرض أجداده ووطنه بطريقته الخاصة من موقعه ومكانته الروحية المبجلة
mahdimubarak@gmail.com