الأردن البلد العربي الذي ساوى بين مواطنيه

 


 

أمر مؤسف ومحزن حد الكآبة، وعوضا عن انه مؤشر على انعدام الوفاء، والوطنية فهو مدعاة للخوف، والقلق من المستقبل وذلك على اثر ما اوردته بعض وثائق الويكيلكس مؤخرا حول ما يقدمه بعض الساسة السابقين، والصحافيين في هذا البلد من تصورات للسفارة الامريكية في عمان بكون تجاوز حق العودة للفلسطينيين مرهون بما ادعته هذه الشخصيات والتي شارك معظمها في ممارسة المسؤولية التنفيذية الاولى في النظام السياسي الاردني بحصول الاردنيين من اصل فلسطيني على حقوقهم السياسية الكاملة في الاردن، كي تنتهي مطالباتهم بحق العودة بشكل نهائي، واعتبروا ان ذلك ممكن بتكثيف الضغوط على النظام السياسي للقبول باصلاحات سياسية تقوم بتغيير الالية السياسية المتبعة في البلد، والتوجه الى صيغة محدودة للاصلاح يصار الى فرضها منذ مدة على حراك الشارع الاردني، لتغيير نسب التمثيل في البرلمان الاردني - مع اخضاع مجلس الاعيان للانتخاب- مما يؤسس لاغلبية واقلية برلمانية تعيد تقسيم الشعب الاردني على اساس عرقي، وتمارس الحكم بهذه الصيغة كونه حكم الاغلبية البرلمانية، وذلك بدعوى فصل الحكم عن رأس النظام السياسي ، وهو تماما ما بتنا نسمعه من بعض القيادات الاسلامية التي تدعي انها ناطقة باسم الشعب الاردني من ضرورة اجراء تغييرات جوهرية على بنية النظام السياسي، ورفض كافة الخطوات الاصلاحية التي اجترحها الاردن الى اللحظة، وكانت قبل عام من اليوم هي ذاتها تمنيات هذه القوى، ومطالباتها التي تصل حد الاحلام، فضلا عن بعض الكتاب المعروفين بعلاقاتهم بالسفارة الامريكية، والحصول على بعض الامتيازات من طرفها.

وهذه القوى تستغل حراك الشارع الطبيعي، وخاصة في الجنوب والذي يأتي على خلفية دوافع معيشية بينة، ويتم تحميله بعض الشعارات التي تصب جميعها في اطار بث الفتنة المستقبلي في النسيج الاجتماعي الاردني، والتلاعب بمعادلة الاغلبية والاقلية الراهنة وهي المعادلة الاكثر قدرة على الحفاظ على التوازن المجتمعي في الاردن ، وتطمين الاردنيين على وطنهم، وفي المقابل يتم الحفاظ على الحقوق التاريخية لابناء الشعب الفلسطيني الذين تعرضوا لمؤامرة دولية ادت لفرارهم من وطنهم منذ عقود، والذين يدفعهم الواجب التاريخي للحفاظ على حق ملايين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم المقدسة مهما تعددت المنافي، ومرت الايام والسنين في بلاد الاغتراب .

وهذا التلاعب الذي دخلت على خطه بعض القوى الاسلامية والذي سيفسر عن اظهار نزعة اقليمية لدى بعض قيادات التنظيم الاسلامي الاكبر على الساحة الاردنية في سياق حراكه العام، سيؤدي الى تغييرات عميقة في الوعي ، والوجدان الوطني في الاردن، وقد يساهم بايجاد شرخ اجتماعي حاد كان حري بالعقلاء ان يتورعوا عن جر الشعب الاردني اليه، وهو ما سيدمر حالة التوازن الاجتماعي التي حققها هذا البلد ، وقد حافظ على قيم انسانية حقيقية في ممارسة السلطة النظيفة، واتاح المجال واسعا للاندماج الاجتماعي، وقدم اداء سياسيا راقيا تجاوز من خلاله حالة الظلم والاقصاء التي عانتها قطاعات شعبية عربية واسعة في اوطانها، وعاناها الفلسطينيون المهجرون في هذه الدول بسياسة رسمية معلنة، وقد حفظ الاعراض والدماء، وخرق قاعدة الحكم العربي التي اقيمت ضد الحقوق والحريات العامة، وكان وطنا عاما مشاعا شارك الجميع في بنائه من شتى المنابت والاصول، ولم يقم سواتر سياسية بين الفئات الشعبية فيه، وارسى قاعدة العدالة الاجتماعية، ولم تمارس على مدى التجربة السياسة الاردنية سياسة رسمية للتميز بين الناس بشكل منهجي، ووفر حرية العمل الاقتصادي للجميع. وان نظرة فاحصة على قوائم قيادات الاحزاب، والنقابات، والعمل الوطني، وخارطة العمل السياسي الاردني منذ تأسيس المملكة تكذب ادعاءات البعض بوجود سياسة اقصاء سياسي، ويمكن تتبع الحكومات الاردنية ورؤية كيف تجاوز العمل السياسي الاردني تاريخيا معضلة المنابت والاصول، في حين فشلت فيه الدول التي رفعت شعارات القومية والعروبة والتي بقيت الى ما قبل اشهر قبلة للمدح والاشادة، واعتبارها قلعة الصمود والممانعة من قبل ذات جهات المعارضة الاردنية التي تتباكى اليوم على حقوق الشعب الاردني، وذلك باعتبارها وحدها التي عنيت بالحفاظ على قضية الفلسطينيين المشردين، وحقوقهم في وطنهم المحتل ودعم مقاومتهم.

الا ان فارقا بسيطا في المعادلة السياسية الاردنية يجب الحفاظ عليه خوفا من ان يصار الى تفجير الداخل الاردني على اساس عرقي، وذلك بالحفاظ على الهوية الاردنية ، والطابع السياسي للنظام والاليات المتبعة في الممارسة الدستورية للسلطة، مع تطوير عمل السلطات السياسية دون اثارة المخاوف حول مفردة الهوية الاردنية، وضمانة ذلك بعدم المس بالثوابت الوطنية والمرجعية الوحيدة التي تشكل عامل الامان الوطني في البلد والمتمثلة بشرعية جلالة الملك.