هكذا تفكر أميركا وإيران

أشعل اسقاط إیران لطائرة تجسس أمیركیة من طراز غلوبال ھوك جدلاً بین المراقبین حیال ھذه الخطوة التي من شأنھا أن تغیر الحسابات لكل أطراف الأزمة. فمجرد استھداف إیران لطائرة أمیركیة یعني أن الحشود العسكریة الأمیركیة فشلت في تحقیق قوة الردع، فإیران المحاصرة لم تتسامح مع فكرة اقتراب طائرة تجسس أمیركیة بالقرب من حدودھا مع علمھا بوجود قوة أمیركیة كبیرة في المنطقة ومع علمھا بأن في حوزة أمیركا القدرة العسكریة على الرد المؤلم. وھنا یبرز السؤال حول لماذا قامت إیران بھذه الخطوة مع أن موازین القوة لیست في صالحھا. تحدث الكاتب الأبرز بصحیفة الواشنطن بوست دیفید اغنیشیوس عما اسماه بالمتغیر الأھم في معادلة الصراع في منطقة الخلیج ألا وھو عامل الوقت. فالولایات المتحدة وفقا لھذا الفھم ترید أن تلعب لعبة طویلة الأمد تتمكن من خلالھا من خنق إیران اقتصادیا لوضع النظام الإیراني أمام خیارین لا ثالث لھما: إما الجلوس على طاولة المفاوضات وفقا للشروط الأمیركیة أو المخاطرة بالانفجار من الداخل بسبب مفاعیل الحصار الاقتصادي واستیاء الشارع الإیراني من تراجع مستویات المعیشة وعدم قدرة إیران على الخروج من عزلتھا الاقتصادیة. وعندما قامت واشنطن بحشد اساطیلھا البحریة والجویة إنما أرادت أن تردع إیران من مغبة التصرف بشكل لا یخدم مصالح أمیركا في لعبتھا طویلة الأمد. فواشنطن ترید ضمان أمن الوضع القائم مرحلیا. بالمقابل، تلعب إیران أیضا على الوقت، فھي لا یمكن لھا الانتظار حتى یتغیر ترامب نتیجة الانتخابات القادمة أو التي تلیھا، لذلك فكل یوم یمضي یضعف من إیران وھي لھذا السبب ترید حسم الأمر قبل أن ترتفع كلفتھ علیھا في قادم الأیام. تدرك القیادة الإیرانیة جیدا أن الولایات المتحدة بقیادة ترامب لا تسعى لحرب لأنھا تحقق الكثیر من دون حرب. لكن یبدو أن القیادة الإیرانیة توصلت إلى نتیجة بأن الطریقة الوحیدة للخروج من مأزق الحصار والعقوبات یأتي من خلال A A A أفكار ومواقف افتعال أزمة عسكریة لعل المجتمع الدولي یدخل على خط المواجھة. الشيء الوحید المشترك بین الدولتین أن كل واحدة منھما تتصرف بشكل عقلاني یخدم توجھاتھا ومصالحھا، غیر أن المشكلة أن ھناك دوما فرصة لسوء التقدیر ما یعني أن حربا قادمة لا یرغبھا الطرفان قد تكون حتمیة في نھایة المطاف. وربما ھناك حاجة لخط ساخن بین واشنطن وطھران لتجنب المزید من سوء الحسابات من أجل نزع فتیل التوتر في الوقت المناسب. لكن لا یبدو أن استراتیجیة الصبر الاستراتیجي التي تبنتھا إیران واستندت إلى انتظار ذھاب ترامب من السلطة صالحة بعد أن قامت واشنطن بخطوتین: الغاء الاستثناءات وتخفیض صادرات النفط الإیرانیة إلى أقل من نصف ملیون برمیل یومیا، ووضع الحرس الثوري الإیراني على قائمة التنظیمات الإرھابیة. فعامل الوقت ھنا حاسم، فالمدة المتبقیة لفترة ترامب قد تكون أطول بكثیر مما قد یتحملھ الجانب الإیراني. لھذا السبب قامت طھران بتغییر استراتیجیتھا بھدف خلط الأوراق من جدید على أمل أن تتغیر قواعد اللعبة. صحیح أن عدم الرد الأمیركي یعني أن الولایات المتحدة تخسر تكتیكیا معركة الردع، لكن ترامب یرى بأن ما یجري مع إیران یأتي في سیاق الاستراتیجیة التي وضعھا للتعامل معھا بھدف خنق النظام ودفعھ لطاولة المفاوضات. ھذا ھو سیناریو المرحلة القادمة إلا في حال أن قامت إیران باستھداف القوات الأمیركیة لأن ذلك سیجبر إدارة ترامب لخیار عسكري یستھدف مصالح إیران قد یتدحرج باتجاه حرب شاملة لا یریدھا أي طرف من طرفي الصراع