لماذا تراجع الرئيس عن قصف إيران؟!

أسقطت ایران، طائرة تجسس أمیركیة، وسواء كانت الطائرة، تطیر فوق المیاه الدولیة في الخلیج العربي، أو فوق ایران ذاتھا، فقد أوصلت طھران الرسالة الأخطر، أي وجود إمكانات عسكریة متطورة لدیھا، قادرة على اسقاط طائرة في وضعیة الشبح، وتعد فخر الصناعات العسكریة الأمیركیة. ھذه ھي الرسالة الأخطر، أي ان لدى طھران تقنیات عسكریة متطورة، قد لا یكون احد على معرفة بأسرارھا، او مستواھا، وھذا یعني في المحصلة، ان حسابات الحرب، تخضع لمعاییر غامضة، قد تؤدي الى انقلابھا جزئیا، او بشكل كامل. الرئیس الأمیركي، قرر الرد عسكریا، ثم تراجع، وقرار التراجع بحاجة الى تفسیر، ولا یوجد إلا أحد ثلاثة تفسیرات، أولھا المخاوف من نشوب حرب إقلیمیة واسعة، في ظل رسالة طھران عبر الطائرة الأمیركیة، بما یعني احتمال تعرض الامیركیین الى مفاجآت لیست في الحسبان، إضافة الى تھدید كل الخلیج العربي، والملاحة، والقواعد الأمیركیة وما قد یستجد عبر جبھات العراق وسوریة ولبنان وغزة والیمن. ثانیھا أن الرد بحاجة الى إسناد عسكري أمیركي أوسع، ووجود قطع عسكریة، وضرورة تعزیز القوات الأمیركیة في المنطقة، قبیل التورط في رد، غیر مضمون النتائج، وان تأجیل الرد، یعود الى أسباب لوجستیة فقط، على صلة بالجاھزیة. التفسیر الثالث، قد یرتبط بحدوث تدخلات عربیة او اجنبیة، من اجل إطفاء نار حرب كبرى، ومنح المفاوضات السریة، مجالا، خصوصا، أن أطرافا عدة قد ترید تحجیم ایران، لكنھا أیضا، لا ترید حربا، بھذه السرعة، بسبب المخاوف من كلفتھا، والمفارقة ھنا، أن اكثر الأطراف تضررا من أي حرب ھي اطراف عربیة وإسلامیة أولا، یأتي بعدھا تضرر الامن الإقلیمي، والعالمي، بما یخص A A A أفكار ومواقف الاحتلال الإسرائیلي، او ضمان تدفق النفط الى دول العالم، بسعر معقول. الأزمة التي یجد الرئیس الأمیركي نفسھ فیھا، تتعلق بعدم رغبتھ بالتورط في حرب كبرى، وفي نفس الوقت، لا یستطیع التفرج على الإھانات التي یوجھھا الإیرانیون لھ، وكان من أبرزھا اسقاط الطائرة الأمیركیة، وقصف السفارة الأمیركیة في بغداد، ھذا إضافة الى تھدید حلفاء الولایات المتحدة في المنطقة. مقابل ھذه الأزمة في واشنطن، فإن أزمة الإیرانیین، ترتبط بالوقت، إذ إن منع تصدیر النفط، وفرض العقوبات، سیؤدي الى الضغط على القیادة الإیرانیة، امام شعبھا، ولن تحتمل طویلا، ولھذا ستواصل ارسال البرقیات، عبر الخلیج العربي، والیمن، ومناطق أخرى، حتى تجد الولایات المتحدة نفسھا نھایة المطاف مضطرة للتھدئة والتفاوض السري مع الإیرانیین. اذا كانت كل الأطراف تعلن أنھا لا ترید حربا، فلماذا یتم تبادل رسائل التصعید، في المنطقة، والاجابة قد ترتبط بمحاولات تسخین المنطقة، من اجل ان یصل الامیركیون والایرانیون الى مائدة التفاوض، وھو تفاوض كما أشیر مرارا لن یقف عند حدود الاتفاق النووي، والصواریخ البالستیة ، بل قد یمتد الى تقسیم النفوذ في المنطقة، بین الأقویاء، وفقا لمعاییر الجغرافیا السیاسیة والاقتصادیة والمذھبیة. كل ھذا یقودنا الى السؤال الأھم، حول الذي سنراه في بحر الأسبوعین المقبلین، ویمكن منذ الآن أن نقول، أنھ اذا كانت ھناك تدخلات ومفاوضات سریة، بین الامیركیین والإیرانیین، بوساطة من طرف ثالث، فسوف نشھد تھدئة نسبیة في المنطقة، لكن إذا لم یتمكن الطرفان الأمیركي والإیراني، من التفاوض السري، فسوف تتواصل الرسائل وبشكل تدریجي، من جانب الإیرانیین، الذین سوف یتصرفون بطریقة اكثر خطورة، ھذه المرة، عبر البحر الأحمر، أو مناطق أخرى، او ابتكار أعمال جدیدة، ضد الولایات المتحدة وحلفائھا، في دول جدیدة، أو في ذات المنطقة، لكن عبر نمطیة جدیدة، غیر متوقعة وغیر منتظرة، بما سیؤدي لاحقا، الى توتیر أكبر، وفتح المنطقة على كل الاحتمالات. لن یمر ھذا الصیف بھدوء، فھو صیف حاسم، خصوصا، أن الإیرانیین لن یحتملوا العقوبات لعام أو عامین، ویریدون الوصول الى حل قریب، وھذا یعني أن الشھر الحالي، والأشھر الثلاثة المقبلة، سوف تشھد تطورات كبیرة جدا، في ظل إصرار الإیرانیین على ان لا تترك العقوبات اثرا حادا علیھم، وھذا یعني أیضا، أن الأزمة غیر قابلة للجدولة او التأخیر، وسوف تنفجر، اذا لم تحدث ھناك صفقة اقلیمیة بعیدا عن الأعین، تتم بلورتھا لاحقا الى صفقة معلنة، ضمن سیاقات محددة، لا تكشف كل التفاصیل والملفات التي تم التفاھم علیھا بین واشنطن وطھران.