الـ( ف)جور الإعلامي


في الهند حاول الإعلام الهندي ونجح في كشف مصادر ثروت احد المواطنين الهنود التي وصلت اعلى مستوى في القارة الهندية, وفي فرنسا حاول الاعلام الفرنسي ونجح في كشف سر جمال احد الفتيات الفرنسية المصطنع حيث اخذت لقب اجمل فتاة في فرنسا, وفي احدى الدول العربية حاول الإعلام العربي ونجح في كشف زيف احد رجال الدين المعروفين عندما مارس هذا الرجل «بدعا» ما انزل الله بها من سلطان, هذه الحالات وغيرها من الحالات المشابهة دخل الإعلام فيها الى قلب الحقيقة وفجّر (ومن هنا جاءت كلمة فجور) واظهر ما تم اخفاءه عن عامة الناس, او ربما عمل هذا الإعلام على تهيئة الاجواء المناسبة لتوفير بيئات من اجل ان تتساقط اوراق التوت عن ساق الحقيقة,...والسؤال هنا هل هذا الإعلام دخل في خانة الـفجور الإعلامي كما يعتقد البعض.
لقد فجّر الإعلام الروسي المحترف ما بناه الامريكان من مداميك التظليل والاخفاء والتّستر والكتمان حول استخدام الولايات المتحدة قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م، بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام وكان نصه أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا بدون أي شروط تذكر،...وهنا نتساءل هل هذا فجورا إعلاميا من قبل الإعلام الروسي المهني عندما اظهر الحقيقة, حقيقة القنابل النووية وقتها؟
وأكثر من ذلك, حين فجّر الإعلام البريطاني المسؤول ما تم تدليسه وكتمانه وإخفاءه حول حادث مقتل الأميرة ديانا الذي اختلف حوله الرأي العام متهمين السائق الذي كان يسوق بسرعة عالية جدًا في محاولة للهرب من المصورين الذين يقومون بمطاردة الأميرة ديانا بشكل دائم مما تسبب في فقدانه للسيطرة على السيارة, ليؤكد هذا الاعلام الجريء من جديد ان هناك جهات بريطانية كانت وراء الحادث كان تخوفا من الزواج الذي كان محتمل بين الأميرة وعماد الفايد مصري الجنسية,...فهل هذا فجورا إعلاميا من قبل الإعلام البريطاني عندما اظهر الحقيقة, حقيقة مقتل الأميرة ديانا ؟
اذا كان اظهار الحق والحقيقة فجورا إعلاميا, فكيف نقرأ قول الله تعالى:(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون), أي ولا تكتموا الحقّ فهو جزم عُطف على النّهي كما يعرفها اصحاب العلم والاختصاص والمؤهلات العليا في اللغة, ثم كيف نفسر ما جاء على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال:( لا يمعن أحدكم هيبة الناس ان يقول في حق اذا رآه او شهده أو سمعه) وهو حديث صحيح الاسناد, كما يعرف ذلك الدارسين لعلم الحديث.
يقول البروفيسور(دان ستاك) استاذ الإعلام الكبير في جامعة كاليفورنيا المعروفة, الفجور في الإعلامي هو ان تقول شيء لم يحدث, او ان تقول شيء غير متأكدا منه, او ان تزيد او تُنقص من واقعة ما بقصد او بدون قصد, ثم يؤكد (دان ستاك) ان الحقيقة الإعلامية لن ولم تعجب المتضررين منها في هذا العالم الواسع, ولا المتأثرين بها على الاطلاق, ويبدؤون بردة الفعل السريعة.
ويؤكد الدكتور الالماني (أوتوجرت) المتخصص في الإعلام الكاشف للحقائب صحة ما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ان تُصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين), من خلال ابحاثه العلمية قائلا: انه اذا جاء شخص تافه بخبر ما علينا ان نتأكد من طبيعة هذا الخبر وملابساته ودوافعه, وعدم الاخذ به دون ادلة وبراهين علمية قاطعة, فان في ذلك فيه خطرا كبيرا على الافراد, او على الحكومة او ربما على الدولة.
بقي ان نقول: هل كشف الحقائق التي فيها فائدة لإصلاح الامة والوطن بعيدا عن التشهير بعد التأكد والتبين والتحقق منها, هل في هذا فجورا إعلامينا؟ سؤال اطرحه على وزارات الإعلام في العالم العربي, معتقدا ان كتم الحقائق واخفاءها «سرقة» مكشوفة للحقيقة لا تمحوها الحركات البهلوانية من الجمعة إلى الجمعة, فإصابة القوم بجهالة يكون ثماره الندم والخسارة في الدنيا والاخرة, كيف لا وقد تقدمت الدول بإعلامها المنضبط والكاشف للحقائق.
مؤكدا هنا ان الإعلام الاردني بدأ يقترب شيئا فشيئا من الإعلام المهني المنضبط الكاشف للحقائق وهذا ما نأمله, بغض النظر عن «بعض» مراهقات مواقع التواصل الاجتماعي المنفلتة وغير المنضبطة, داعيا الاجهزة الامنية رصد هذه التجاوزات الإعلامية التي تطلق الاشاعات المغرضة في المجتمع لزرع الفتن والتفرقة ومحاسبة اصحابها, ضمن عقوبات قانون حقوق الطبع واعادة النشر ومحاذيره المنصوص عليها في الدستور.
اللهم ارزقنا إعلاما عربيا مهنيا منضبطا كاشفا للحقائق,...آمين يا رب العالمين.