الأمير الحسن بن طلال يكتب : عقلنة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر
كُتِب الكثير خلال السنوات العشر الماضية في محاولة لعقلنة ما جرى في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011. إنها لمهمة صعبة، فتحليل الشر ليس بالأمر اليسير، والإرهاب أمر لا يمكن للعقل البشري المتزن أن يفهمه. كل ما يبدو واضحاً أنه بالنسبة لملايين الأمريكيين وشعوب العالم على اتساعه، لن تصبح أحداث ذلك اليوم مجرد ذكرى وإنما أمراً سيحمله الناس بقية حياتهم.
لم يكن العقد الماضي عقداً سعيداً، ولم يكن كذلك عقداً أمريكياً. لقد ساهم التردّي الاقتصادي وانعدام الحركة الاجتماعية والانحطاط الثقافي والفني وفقدان الفرص أمام الناس العاديين، ساهمت جميعها بمستقبل لم يعد يبدو مليئاً بالفرص. لقد راوَغنا التفاؤل وقد تعددت العوامل وتنوعت الأسباب. ولكنني، وقد نشأت في منطقة سريعة التقلّب والاشتعال، لا أستطيع إلا أن أومن أنه إلى حد ما، يُعتبر هذا المناخ نتيجة جانبية لما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وهي حرب لا يبدو أن لها نهاية قريبة.
هل نجح النضال ضد هؤلاء الذين يسعون إلى احتكار الحقيقة على كلا الجانبين في تقريب الغرب والعالم المسلم معاً؟
شعرنا خلال السنوات القليلة الماضية وكأن سوء التفاهم المتبادل بيننا قد وصل إلى أقصى أعماقه. تواجه الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط العديد من الصعوبات، ويتم في العديد من الدول الغربية تهميش الجاليات المسلمة لإرضاء عقائد متنافسة ولبيع نسخ إضافية من الصحف والمجلات.
ولكن رغم ذلك، ومنذ هروب زعيم لا مبالٍ من بلده في تونس، وسقوط نظام دام ثلاثين سنة خلال ثلاثين يوماً في مصر، يبدو أن ذلك الخوف الطبيعي من "الآخر" ومن "بعضنا بعضاً" قد استُبدل بشيء آخر. لم يعد لشبح التطرف الديني، رغم أنه وللأسف الشديد موجود، ذلك الرنين الذي كان.
تتنافس الصور النمطية، التي مثّلت المنطقة لفترة طويلة على أنها غير قابلة للإصلاح، مع طروحات الأمل. يبدو أن عدداً أقل من الأمريكيين يكتفون بإصدار الأحكام فقط على الشرق الأوسط: لقد أضحوا يريدون فهمه. وهذا ينمّ عن شجاعة، وهو غير متوقع. وهو بالذات ما لا يريده أمثال القاعدة.
حقيقة الأمر هي أنه رغم تباعد الأمريكيين وشعوب الشرق الأوسط، إلا أن مصائرنا متداخلة. يُعتبر القول بأن الشاب الأردني أو التونسي أو البحراني أو الإيراني ينشأ عدائياً ضد الولايات المتحدة طرحاً مبسّطاً لعلاقة معقدة. فالشباب في الأردن وعبر الشرق الأوسط يلاحظون الوضع في فلسطين.
لقد اعتادوا على الإحباط وخيبة الأمل، وأصبح بالإمكان الاعتماد عليهم لأن يشيروا بقسوة لا تلين إلى أية فروقات بين الكلمات والأعمال. ولكن مشاعر كهذه تكون أحياناً مختلطة بالإعجاب، بالأفلام والثقافة الأمريكية، وبأفكار مثل الحرية والفردية والفرص، ومفهوم الجدارة والاستحقاق. قد يكون هذا نوعاً من انفصام الشخصية، ولكنه حقيقي واقعي. "السعي لتحقيق السعادة" معادلة يطمح الناس في كل مكان لتحصيلها وفهمها، ولكن منالها ليس بالأمر اليسير.
يدفع الناس العاديون في الشرق الأوسط الثمن المطلق لقاء الحق في أن تكون لهم حقوق. لقد تم وضع "الشارع العربي" في مواجهة جهاز أمن الدولة الحديث، والنتيجة في معظم الحالات كانت القمع والعنف والترهيب والوحشية على مستوى واسع.
في الوقت نفسه، وفي كل مكان تنظر فيه، تريد الغالبية التي جرى إسكاتها في يوم من الأيام الشيء نفسه تقريباً: شعور بالكرامة والسيطرة على مصيرها وإمكانية الوصول إلى الفرص. لقد تواصلت الثورات بشكل غير متوازٍ، وسوف تنتهي بشكل غير متوازٍ أيضاً. ولكنها ستثبت كذلك كونها ثورية وتطوّرية، لأنها تنطوي على رسالتين مركزيتين.
الأولى هي أن الشرق الأوسط يمكن أن يكون مختلفاً، والثانية هي أنه يتغير، ويتغير بسرعة.
وكما رأينا في هذا الجزء من العالم، ليس من السهل التوافق مع الماضي، كما لا يسهل التغلب عليه. شكّلت هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر محاولة مدروسة وجبانة لفرض صدع حضاري هائل وواسع. وقد بدا هذا المشروع الهائل والملتوي، رغم ملائكتنا الأفضل معرضاً لخطر النجاح. لا نستطيع أن نسمح لذلك بأن يحدث.
لا بد وأن قبول الفروقات، وما يعنيه ذلك ضمنياً من حرية من الخوف، هو ما يخافه الإرهابي أكثر من أي شيء آخر. بدلاً من القتال ضد "الإرهاب"، يتوجب علينا أن نحارب من أجل التفاؤل والأمل.
* رئيس ومؤسِّس منتدى الفكر العربي ومنتدى غرب آسيا وشمال إفريقيا. هذا المقال جزء من سلسلة في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، كُتب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 9 أيلول/سبتمبر 2011