"جن"..لماذا كل هذه الضجة؟..وماذا يعني رد "نتفليكس" على منتقدي المسلسل؟

أخبار البلد – مصطفى صوالحه

في البداية، أعلنت "نتفليكس"، الشركة الرائدة عالميًا في مجال خدمة الترفيه عبر الإنترنت، عن مسلسلها الأصلي الأول باللغة العربية "جِن"، والذي يشارك فيه نُخبة من المواهب الشرق أوسطية والذي سيتم تصويره في الأردن.

إذ يتولى الإخراج التنفيذي لهذه المغامرة الخيالية الشبابية الثنائي إيلان وراجيف داساني، ويتعاون معهما في الشاب اللبناني المبدع مير جان بو شعيا كمخرج للعمل والمؤلف الأردني باسل غندور (مؤلف فيلم ذيب المرشح للأوسكار).

ويحكي هذا العمل الفني دراما معاصرة، أبطالها شباب عرب، تتناول ظواهر خارقة. ويحكي قصة مجموعة من الشباب الذين تتعطل حياتهم حين يظهر لهم جني على شكل شاب مراهق في مدينة البتراء التاريخية. وتكون صداقاتهم وعلاقاتهم تحت الاختبار حين يضطرون لمواجهة قوة شريرة تهدد بتدمير العالم. فهل سيتحدون معًا في الوقت المناسب، وهل سيجدون الإجابات التي يحتاجون إليها لإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان؟، القصة حتى هذه اللحظة من القراءة تبدو روتينية وكأي قصة كُنا قد شاهدناها سابقًا، إذ تتشابه الأفكار أحيانًا، إلا أن أدوار الممثلين وبالإعتماد على الحوار يُمكن أن يتغاضى المشاهد عن مسألة التشابه، إلا أن مسلسل "جن" خالف هذه القاعدة وخرج لنا بإنتاجٍ هزيل وقصةٍ "محشوة" بالألفاظ والمشاهد التي يُمكن القول إنها خادشة للحياء ولا يتناسب عرضها مع طبيعة المجتمع الأردني، رغم -ودون أية مبالغة- أن ما عُرض في المسلسل يتبادله الشُبان والشابات بشكلٍ يومي، والجامعات المثال الأكبر على ذلك.  .

على أية حال، نجوم "جن" هم مجموعة من الممثلين الشباب، من بينهم سلمى ملحس وتؤدي دور ميرا، وحمزة أبو عقاب ويؤدي دور كراس، وسلطان الخيل الذي يؤدي دور ياسين، وعائشة شاهالذو التي تؤدي دور فيرا، وغيرهم.

حسنًا، ليلة الثالث عشر من يونيو كانت الليلة الأكثر صخبًا فقد ضجت منصات التواصل الاجتماعي بإسم "جن" وأنه يجب إيقافه فهو يعد إنتاجًا هزيلًا ويعمل على دس بعض القيم التي لا تتناسب وطبيعة المجتمع الأردني المحافظ، مواقعٌ إخبارية ومؤسساتٌ حكومية أعلنت رفضها التام لهذا المسلسل الذي يبدو أنه لم يكن مشهورًا إلا بعد أن تناقلت أنباءه مختلف الجهات، الرسميةٍ منها والشعبية، مُنادين بضرورة محاسبة الجهات المسؤولة عن تمريره.

لتبدأ بعدها معركة إظهار الوجه الحسن من قبل البعض وأنهم من الثلة الصالحة التي تحارب كل ما من شأنه أن يعيث خرابًا وتلويثًا في المجتمع الأردني الذي لا يحتمل تدخلًا جديدًا سيعمل على فكفكة القيم النبيلة، المشكلة ليست في الجهات التي نادت بمنعه وتحويله للمدعي العام ومحاسبة كل من تورط في الموافقة على تصويره، بل إن المشكلة تظهر في أولئك الذين يمارسون الفضيلة وأنه لا يجوزالتعرض لهذا الإنتاج ضمن مساحتنا المنضبطة المتعارف عليها، وعند مراقبتهم والتطلع على "ستايل" حياتهم نجد أنهم من رواد مواقع "البورنو"، مِمَّا يُشكل تناقضًا واضحًا، ففي حين أن مسلسل "جن" خادشٌ للحياء والقيم، فالمواقع الإباحية لا تُهدد أية قيم وأنها تدخل ضمن إطار تعلم الثقافة الجنسية أليس كذلك؟، الجانب الآخر من المنتقدين يُمثلون الجانب الحقيقي والصالح، إذ إن المسلسل بالنسبة لهم يُعتبر تهديدًا يجب صده قبل أن يُهدد أمن المجتمع واستقراره، وهؤلاء لهم من الاحترام ما لا يمكن التعبير عنه، بعكس أولئك الذين يَدَّعون "الطهارة" وأنه يؤلمهم هذا المسلسل بيننما الأفلام الإباحية وعلاقات الحب لا تمثل أي تهديدٍ للمجتمع.

وحتى تكونوا على بينةٍ من الواقعة ووفقًا للدارسات، فإن الأردن من الدول العربية التي تشاهد مواقع "البورن" بنسبةٍ تبلغ 80% من مستخدمي الإنترنت، ذكورًا وإناثًا على حد سواء وبمعدلٍ يومي يتراوح بين 15 – 30 دقيقة.

نعود إلى مسلسل "جن" والذي يُسطَّر حياة العاصمة عمان، بعض المناطق منها، مُتمثلةً بالبذخ والإسراف والحرية و"ستايل" المنظومة الغربية في بناء العلاقات والصداقات وآلية إقامة حفلات النبيذ على ضفاف برك السباحة و "دي جي" يبعث في جسد المستمع شيئًا من حب التمرد والانفعال اللا محدود لنحصل في النهاية على مشاهد ممزوجة بالإنفلات الأخلاقي والإنضباط التنكري.

المسلسل فشل رغم محاولته إبراز قصةٍ خيالية ممزوجة بالتراث الأردني، عمان، البتراء، وادي رم، مناطق ظهرت لنا أثناء حلقات المسلسل، لكن يُمكن القول أن الحوار لم يكن سلسًا، ولم نشعر أننا نشاهد إنتاجًا قريبٌ مِنا رغم تصويره في الأردن، أي أننا نتحدث عن بيئتنا وتقاليدنا، إلا أنه كان مجرد سيناريو رتيب، ويحمل بعضًا من الأخطاء التي لم ينتبه لها القائمون على الإخراج، أو أنهم حَرِصوا على إظهاره بهذه الصورة المتعرية عن المنطق، إن الشتائم التي تمتلئ بها حلقات المسلسل، متداولة بشكلٍ يومي بين مختلف فئات المجتمع الأردني، الكبير والصغير، الشاب والفتاة، في الأماكن الخاصة والخارجية العامة، لكنه أبرزها بطريقةٍ "مقززة"، حتى أنني لم أستطيع إكمال المسلسل، وفيما يتعلق بلهجة الممثلين، فهي مجرد لهجة متواجدة في الأردن، بل في كثيرٍ من الأشخاص، عادية، ويُمكن التعرف عليها بسهولة، كما أنها ليست مصطنعة، ولا أعلم على ماذا اعتمد النُقّاد الأفاضل في القول إنها دخيلة ولا يوجد أحدٌ في الاردن يتكلم بهذه الطريقة، على أية حال، أنا لا أدافع عن "جن"، لكنني، أرى ازدواجًا في الحديث عنه بين رواد منصات التاوصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي يتحدث عنه شخص ما بأنه يمس القيم ويُنكر ما فيه من مشاهد وأنها مُختلقة، يشاهد في وقتٍ آخر مشهدًا إباحيًا بل إنه يروج له بين أصدقائه وكأنه مباح!.

لجنةٌ نيابيةٌ وصفت مسلسل "جن" الأردني الذي تعرضه شبكة "نتفليكس" الأميركية، بـ"اللا أخلاقي"، مشيرةً إلى اجتماع سيعقد يوم الأحد القادم مع الحكومة بشأن ذلك.

إذ إنه لا يبدو من المنطقي إقحام الألفاظ الخادشة للحياء أو المشاهد الإباحية، فهي بطبيعة حال لم تخدم المسلسل، بل إنه كان يُمكن التخلي عنها والاستعاضةٍ عنها بأخرى يُمكن أن تكون سببًا في نجاح "جن".

لجنة التوجيه الوطني والإعلام النيابية ممثلة برئيسها النائب محاسن الشرعة  استنكرت أيضًا المسلسل الذي احتوى على "مشاهد لا تليق بعادات المجتمع الأردني المحافظ وتقاليده ولا بالعادات والأعراف العربية والإسلامية مما يؤثر على النشئ والأجيال وعلى الأخلاق في الاردن"، وكأن الجيل الحاضر لا يعاني من ويلات الأفلام الإباحية وسب الذات الآلهية والإنخراط في علاقات الحب بأنواعها المختلفة، جيلٌ منهك ومتصدع، القلةُ القليلة منه  هي على الصراط المستقيم وتحمل المعنى الحقيقي لرسالة الانضباط الأخلاقي وبأعلى درجاته، لكن يبدو أن البعض "مستور" وليس "صالح" كما يعتقدون.

اللجنة طالبت  إلى جانب ”محاسبة كل من قام بتسهيل مهمة وتصوير هذا المسلسل"، توجيه كافة الجهات الرقابية الحكومية ذات العلاقة التحرك السريع لمنع عرضه وإجراء تحقيق فوري مع الجهات المسؤولة التي قامت بالموافقة وإعطاء التصاريح لتصوير مثل تلك المشاهد".

شبكة نتفليكس قامت بالرد على ما يحدث، إذ إنها صرحت: تابعنا بكل أسف موجة التنّمر الحالية ضد الممثلين وطاقم العمل في مسلسل جِنّ ونعلن أننا لن نتهاون مع أي هذه التصرفات والألفاظ الجارحة لطاقم العمل. موقفنا لطالما كان متمركزًا حول قيم التنوّع والشمولية ولذلك نحن نعمل على توفير مساحة آمنة لكل محبي المسلسلات والأفلام حول المِنطقة.

الميزانية الضخمة التي رصدتها شبكة "نتفليكس" لانتاج أول مسلسل عربي على منصتها الأكبر حول العالم لتخرج للعالم العربي بمسلسل "جن" بهويته الأردنية، ورغم أن المشاهدين ووفقًا لإعلان المسلسل قبل عرضه أعلنوا عن حماسهم وأن هذا المسلسل سَيلقى نجاحًا باهرًا، ذلك كُشف لنا بعد إطلاق الشبكة لحفلٍ خاص في عمان بتغطية واسعة من أكبر  الجهات الإعلامية في الأردن و الوطن العربي.

الأمر الأخير، من يتابع إنتاج شبكة نتفليكس من أفلام ومسلسلات يعلم تمامًا أن إنتاجها المُخصص للعائلات يحمل في جعبته العديد من المشاهد الإباحية، حدث ذلك مرارًا مع المشاهدين وعائلاتهم عند مشاهدة فيلم أو مسلسل يُعتبر عائليًا بالنسبة للشبكة.

وأتمنى أن تكونوا على معرفة بأن هناك إنتاج  عربي آخر لشبكة نتفليكس اسمه "مدرسة الروابي للبنات" بالإضافة إلى "ما وراء الطبيعة" في المستقبل القريب، مِمَّا يعزز الاستثمار في المنطقة كما صرحّت نتفليكس.

وللقضية بقية.