|
تزخر وسائل الإعلام ومنشورات مراكز البحوث والدراسات في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام بالكثير من التغطية والمراجعة للذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001 وتحاول معرفة الدروس المستفادة والاستنتاجات والتوجهات السياسية المختلفة التي رافقت العقد الماضي وكيف أحدثت من تغيرات سلبية وإيجابية على البنية السياسية والثقافية في الولايات المتحدة وعلاقة الغرب بالإسلام على وجه خاص.
أما في عالمنا العربي والإسلامي فحدث ولا حرج، حيث تغيب المراجعات الموضوعية لهذه المناسبة، وربما لن تتعدى معظم المقالات والكتابات التي ستظهر اليوم طرح فكرتين أولاهما أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب/ الإسلام قد أظهرت العداء الشديد للمسلمين وتمثل ذلك في انتهاكات حقوق الإنسان وفي الهجومات العسكرية على أفغانستان والعراق والتضييق على المسلمين في الغرب، وثانيهما أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب/ الإسلام قد فشلت بدليل استمرار وجود تنظيم القاعدة حتى الآن. تحياتي وتهنئتي منذ الآن لكل كاتب أو باحث يمكن أن يتجاوز بآفاقه هاتين النقطتين.
نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة موضوعية للعقد الماضي وتبعات 11 سبتمبر على العالم العربي والإسلامي وعلى هوية وسمعة الإسلام في العالم. لا يمكن أبدا أن نتجاهل أن من ارتكب هذه الجريمة هم مسلمون، وأن ما حدث هو جريمة قبيحة ضد الإنسانية تسببت في مقتل الآلاف من الأبرياء ومن الأطفال والنساء من مختلف الجنسيات والديانات، وهي فعلة لا يمكن أن يقرها ديننا الحنيف ولا أخلاقياتنا الاجتماعية. ولكن يمكننا بعد عشر سنوات أن نشعر ببعض الارتياح، فقد تمكنا من إفشال محاولة تنظيم القاعدة لاختطاف الإسلام من ايدينا واصبح المد السياسي والثقافي والديني في العالم العربي والإسلامي مناهضا للفكر المتطرف وخاصة في السنوات الخمس الماضية، بعدما كان وبكل اسف إما داعما أو متجاهلا للآثار السلبية لهذا الفكر التكفيري على سمعة الإسلام وعلى مستقبل العرب والمسلمين في بلدان العالم.
لقد تسببت هجمات 11 سبتمبر في متوالية من الكوارث على العالم العربي والإسلامي بدأت بالتضييق على نوعية حياة وحقوق وفرص المسلمين في الغرب خاصة في السنوات 2001- 2006 ولكن تراجع هذا التضييق في الجانب السياسي والاقتصادي تدريجيا بالرغم من استمرار الهجمات الإرهابية والتي شملت مدريد ولندن. وتسببت الهجمات ايضا في احتلال أميركي لأفغانستان والعراق وتحويل الأخير إلى ساحة تجنيد لتنظيم القاعدة وزرع بذور صراع طائفي بين السنة والشيعة لا يزال مستمرا حتى الآن ومنح إيران فرصة العمر للسيطرة السياسية على العراق، كما ساهمت الهجمات في تجميد اي نوع من التقدم في المسار السلمي في الشرق الأوسط وزيادة الاستقطاب المتطرف واستثمار إسرائيل للهجمات في تصوير الفلسطينيين بأنهم ايضا إرهابيون يرغبون في تدمير إسرائيل، وجعلت القضية الفلسطينية تتراجع في سلم الأولويات الدولية.
منذ 11 سبتمبر، تحولت معظم اعتداءات تنظيم القاعدة إلى الدول العربية والإسلامية نفسها سواء الموجات الرهيبة من القتل العشوائي في العراق أو التفجيرات الإجرامية في السعودية والأردن والمغرب وتونس وحتى في سوريا والتي كان ينظر إليها بأنها «متساهلة» مع هذا التنظيم فقد نالها نصيب سيئ من العنف في السنوات الأربع الماضية. لقد تعرضت آلاف العائلات العربية والمسلمة إلى مآس عديدة نتجية التصرفات الإجرامية لهذا التنظيم الذي تم ملاحقته بقسوة في الغرب فلجأ إلى تنفيذ جرائمه في مجتمعاتنا.
لقد ساهم الربيع العربي الذي استمد طاقته من شباب مثقفين ومتعلمين يبحثون عن الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد في مسح الكثير من الأفكار المتطرفة والبائسة التي كان تنظيم القاعدة يحاول زرعها في عقلية الشباب المسلم، فقد مرت كل هذه المظاهرات والثورات بدون شعار واحد مساند للقاعدة أو للفكر المتطرف، وكانت توجهات وثورات ومبادرات الإصلاح العربي واضحة في اتجاه بوصلتها نحو المستقبل وليس الماضي ونحو الفرص البراقة وليس المصائر السوداء التي كان يدعو إليها الفكر المتطرف لتنظيم القاعدة، وباختصار كان الربيع العربي مؤشرا لخريف تنظيم القاعدة وأفوله بأسرع وقت إن شاء الله.
ماذا حدث في العالم العربي والإسلامي منذ 11 سبتمبر 2001؟ كيف تغيرنا وكيف تغيرت رؤية العالم للمسلمين وما هو الدور الذي لعبناه للحفاظ على الصورة الحقيقية الناصعة للإسلام ومحاصرة التوجهات المتطرفة؟ ما هي الدروس المستفادة وما هي الخطوات اللاحقة وكيف يمكن أن نتجاوز حالة صراع الحضارات بين العالم الغربي والمسلمين منذ 11 سبتمبر؟ ألا تستحق هذه الأسئلة البحث المضني عن إجابات لها؟.
batirw@yahoo.com
|