|
وسط مناخ لافت للنظر، فرت بعثة السفارة الإسرائيلية لدى مصر إلى تل أبيب، صباح أمس السبت، على خلفية مهاجمة مقرها في القاهرة، في عملية اقتحام شعبية أسفرت عن مقتل اثنين وإصابة نحو 837 شخصاً بجراح واعتقال 19 من المتظاهرين، فيما أعلنت السلطات المصرية حالة الاستنفار وعقد مجلس الوزراء جلسة طارئة لمناقشة التطورات!
وسائل إعلام إسرائيلية قالت إن السفير، يستحاق ليفانون، هرب برفقة 80 من أعضاء البعثة الدبلوماسية في مصر، فيما ظل القنصل الإسرائيلي في «مكان آمن» بالقاهرة لتصريف أعمال السفارة(!) إلى ذلك، أعلنت مصر رفع حالة الاستنفار الأمني ودعوة مجلس الوزراء لاجتماع طارئ، فيما أعلنت وزارة الداخلية رفع درجة الاستعدادات الأمنية، وإلغاء عطل كافة قوات الأمن، وتصف وسائل الإعلام طريقة فرار السفير على نحو يوحي أنه فر فرار المجرمين، وسط حماية غير مسبوقة له ولأفراد بعثته!
زحف الجماهير المصرية بالآلاف لاقتحام السفارة له دلالات بالغة الأهمية على مجمل المشهد العربي، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة بين إسرائيل والعرب..
في الماضي، قبل إزهار ربيع العرب، كانت إسرائيل تعربد في المنطقة، تغير وتقتل وتذبح، وكان الصوت الرسمي العربي يخرج مخدرا للناس بكلمة هنا أو تصريح هناك، وكانت الشعوب في حالة نوم عميق، فلا رد فعل جديا هنا أو هناك، وكانت إسرائيل كما يقال تنام في العسل، وتفعل ما تريد، فثمة حراس لجرائمها، وحماة دوليون يدافعون عنها في مجلس الأمن، أما الآن فيبدو أن دوائر الاستخبارات وبيوت صناعة القرار والأفكار لم تنتبه إلى ما تغير، لو وقع حادث اعتداء اسرائيلي على الجنود المصريين في سيناء زمن مبارك، لما حصل شيء لا في الشارع ولا في دوائر صنع القرار، شعبيا انتظر الناس في مصر أن تقوم حكومتهم ومجلسهم العسكري بعمل ما للدفاع عن كرامة شعب مصر وشرف جنوده، وبالفعل اتخذت الحكومة قرارا بطرد السفير، إلا أن المجلس العسكري وهو الحاكم الفعلي لمصر، سحب القرار، وعلق أي إجراءات عملية، ومن هنا اتخذ الشعب قراره بطرد السفير، ولكن على طريقته الخاصة، بالزحف للسفارة بالآلاف، وتم له ما أراد!
رسالة الشعب المصري التي أوصلها أمس لحكومة بلده، ولحكومات الأرض كافة، يجب أن يفهمهما صناع القرار العرب، وغير العرب، بوسع هؤلاء أن يتخذوا ما يشاءون من قرارات، ولكن عليهم ان يعرفوا أن شعوب العرب ما قبل الربيع، هم غيرهم بعد الربيع، وما كان يصح قبل، لم يعد ينفع بعد، ليس فقط على صعيد العلاقة مع إسرائيل !
مصر الرسمية رفضت طرد السفير، ولكن مصر الشعبية أخذت قراراها وفعلتها، وهرب السفير تحت جنح الظلام فارا بجلده، ألم يصدق أصحاب عقلية المؤامرة أننا نعيش عصر الشعوب؟ هل ما زالوا يعتقدون أن أمريكا وإسرائيل تحركان الشعوب العربية، ويزرعان الشوك في ربيع العرب؟!
|