تقارير مشبوهة وأجندات خفية


أن تسقط وسيلة إعلام صفراء ومغمورة في وحل الأكاذيب وإيهام القراء بأن تخيلات كُتابها مبنية على حقائق فهذا غير مستغرب، فلطالما عرف العالم مثل هذه الوسائل الباحثة عن الشهرة ومدفوعة الأجر، إلا أن ما هو مستغرب ويثير الشك، لجوء مجلة يزيد عمرها على عمر الكثير من الدول إلى نشر تقرير يزكم الأنوف من كثرة التخرصات التي تضمنها حول الواقع السياسي في الأردن، دون أدنى اعتبار لمصداقية أو مهنية.
مجلة «إيكونوميست» - التي من المفترض أنها وسيلة إعلام محترمة - نشرت في عددها الأخير تقريراً عن الأردن تحت عنوان «قلة من الأصدقاء وكثير من المشكلات»، يثير تساؤلات حول الهدف من التقرير، ولماذا جاء في هذ الوقت؟، وهل هو استهداف للأردن؟ أم ينطوي على أجندات خفية، تريد إظهار الأردن في حالة من الغضب الذي ينذر بما هو أكبر وأخطر.
التقرير حاول تقديم الحالة السياسية الأردنية للقراء، وكأن الدولة تعيش صراعاً خفياً بين النظام والشعب، وأن قيادة الدولة لم تعُد تمتلك أصدقاء لا خارج بلادها ولا داخلها، لتصل هلوسات الكاتب إلى القول بأن البعض يهدد بحمل السلاح في وجه الدولة، مروراً بوصف مطاعم ومحال ومراكز تسوق عمّان بالفارغة، بسبب إعلان وظيفة شاغرة في السفارة الأمريكية!.
لن أعيد كل ما حمله التقرير، ولكن ما أريد أن أصل إليه هو مسارعة وسائل إعلام معروف مَن يدعمها ويمولها إلى ترجمة التقرير والنفخ في كير الكذب، ومحاولة نشره والتعامل معه باعتباره حقيقة لا تقبل الشك، وكأنها كانت تنتظره بفارغ الصبر لتعمل ماكينتها على الترويج له، وإبرازه بصورة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك.
استهداف الأردن من قبل وسائل إعلام معروفة لم يعد خافياً على أحد، وتكرار ذات الفكرة التي تتحدث عن غضب شعبي تجاه النظام باتت ممجوجة، ويحاول البعض اصطياد أي موقف لتحويره والدخول في متاهة التحليلات والتفسيرات التي تفضي كلها إلى نفس النتيجة وتخدم ذات الهدف.
مقولة مهندس الدعاية النازية جوزيف غوبلز «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، قد تكون ما زالت صالحة حتى اليوم، وعليه فإن إعلامنا الرسمي مطالب بالخروج إلى فضاء إعلام الوطن القادر على الدفاع عن الدولة بكافة مكوناتها، والرد على الهجوم الإعلامي الذي يمارسه البعض ضد الأردن، في محاولة مكشوفة لاستغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه البلد، للترويج لمواضيع هدفها زرع بذرة الفتنة في الأرض الأردنية.
الإعلام لم يعد ناقلاً للحقيقية فقط، بقدر ما هو صانع للحدث بطريقة أو بأخرى من خلال التلاعب بالرأي العام الداخلي والخارجي. وعليه، فإن آليات التعامل مع ما ينشر عن الأردن في وسائل إعلام دولية وإقليمية يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فالأمثلة كثيرة على قدرة الإعلام على تغيير الأمور، فهناك محطات تلفزة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت حرائق واضطرابات عديدة في المنطقة.
علينا أن نعي تماماً بأن غرف الأخبار وصالات التحرير في كبريات الصحف الدولية لم تعُد بتلك المصداقية والنزاهة التي كنا نعتقد، فهناك أجندات ومصالح تديرها، وإن سلمت إدارتها من ذلك، لم تسلم من بعض الصحفيين والمحررين ممن يرون بمهنتهم مصدر ثراء بطرق ملتوية، فنحن لسنا في مدينة أفلاطون الفاضلة.
باختصار، تقرير الإيكونوميست لم يكن بريئاً ومَن قام بنقله والترويج له أهدافه وغاياته، وعلينا النظر إلى آلياتنا الإعلامية ومدى وملاءمتها للوضع الحالي، وعدم ترك الطحالب تتسلق الساق لتزرع الشك وتثير التساؤلات، فالفتنة تبدأ ببذرة.