جاريد كوشنر " رجعَ بِخفي حنَين " يجر ذيول الخيبة



عادةً ما يضرب هذا القول في الشخص الذي يعود إلى بلاده أو منزله خائبا لم يحقق مبتغاه بعدما أعياه اليأس من تحقيق حاجته والرجوع بالخيبة
بلسان عربي مبين وضمير وطني آمين صدحت قلوب وحناجر أبناء الشعب العربي الأردني بكافة مكوناته يوم الثلاثاء الماضي إمام السفارة الأمريكية حين قالوا بصوت واحد فلسطين ليست للبيع والأردن ليس للبيع والقدس ليست للبيع ولا للمساومة ارجع إلى بلادك أيها الصهيوني الامبريالي القذر غير مرحب بك وبعصابتك في عمان لا أهلا و لا سهلا بكم معشر الصهاينة المجرمين نقسم عهدا مع الوطن والقائد ان نجوع ولا نفرط بذرة من تراب من فلسطين وأن يبقى الشعب الأردني والفلسطيني في خندق واحد ضد صفقة القرن لن نرضخ أو نستسلم
كوشنر هذا الفتى والسياسي المستجد صهر العجوز الخرف ترامب لازال يتعامل مع العرب وكأنهم في زمن سايكس بيكو الغابرة وهو فعلا يمثل سفير اليمين المتطرف للصهاينة في إسرائيل ويذكرنا نهجه القذر بالإرهابي هربرت صموئيل أول مندوب بريطاني انتدابي صهيوني على فلسطين والذي كانت وظيفته إدخال الصهاينة إلى فلسطين وتوطيد إقدامهم ثم التصدّي للمقاومة الفلسطينية بالعنف والقتل والتدمير

جاء كوشنر إلى الأردن هذه المرة في زيارة لم تحظ بمراسم استقبال رسمية ولو على مستوى بروتوكولي منخفض هدفه الأساس التسويق لخطة السلام في بعدها الاقتصادي وإقناع الأردن بصوابية المشاركة في مؤتمر البحرين وقد حمل في جعبته العديد من الرسائل المشفرة والمبطنة بمحاولة التهديد والضغط لإجبار الأردن على المشاركة في مؤتمره والذي يهدف إلى بيع القضية الفِلسطينية وتصفيتها وهو الخطوة المتقدمة لقِيام إسرائيل الكُبرى وخلق الوطن البديل ونسف حقّ العودة معتقدا بأنّه يمكنه ان يحقّق أهدافه هذه من خلال المال والاستثمارات وكان الأوطان ومصيرها ما هي الا مجرد صفقةً عقاريّةً ومشاريع تصفوية مغموسة بالدولارات المسمومة لكنه غفل او تغافل بان هنالك للقلعة ملك عربي هاشمي يحميها وقائد حر أبي يدافع عن حياضها بكل صدق وإيمان ووفاء مواقفه أصيلة وثابتة لا تتغير مهما غلت التضحيات وكبرت الصعاب و التحديات
فقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني بكل جراءة ومسؤولية وقوة ووضوح خلال استقباله كوشنر على تذكيره بموقف الأردن المبدئي من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القاضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 في ظل تسريبات تتحدث عن أن الخطة الأميركية لن تشير إلى هذا الخيار الذي يدعمه المجتمع الدولي وقد كرار جلالته لاءاته حيال ملف القدس والتي أعلنها منذ أشهر ورفضه القاطع الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس ووجوب أن تقوم أي خطة للسلام على حل الدولتين الذي يعطي الفلسطينيين عاصمة لهم في القدس الشرقية كما شدد جلالة الملك على ضرورة كسر الجمود في عملية السلام وبما يفضي إلى إعادة إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين استنادا إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وإن مسألة القدس لا يمكن تسويتها إلا ضمن قضايا الوضع النهائي باعتبارها مفتاح تحقيق السلام في المنطقة وسيبقى الأردن مستمر في القيام بدوره التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالمدينة وقد بدا جلالته حازماً ومتصلباً في مواقفه خلال اللقاء الذي لم يفض إلى رد أردني واضح على الطلب الأميركي بضرورة وجود عمّان في مؤتمر البحرين والتي تمثل الجزء الاقتصادي من الصفقة وقد طرح فكرة تأجيل المؤتمر على اعتبار أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون اقتصادياً فحسب بمعزل عن الشق السياسي
وقد وضع جلالة الملك عبدالله خطا أحمر على مجمل مرتكزات خطة السلام الأميركية التي من المتوقع أن تكشف اللثام عنها إدارة ترامب بعد شهر رمضان الحالي في ظل معارضة فلسطينية قوية وتحفظات عربية وعدم تحمس دولي ومعارضة الشارع الأردني وبروز حراك احتجاجي متصاعد ضد خطة السلام ينتظر أن يشهد زخما أكبر في الأيام القادمة مع قلق المؤسسة الرسمية التي لا تنفك تؤكد تمسكها بالقرارات الدولية بشأن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني خشية أن تتضمن خطة السلام المجهولة والمنتظرة بنودا تهدد ليس فقط بتقويض وصاية المملكة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وإنما تمس أيضا بسيادة البلد عبر طرحه كوطن بديل يضاف إلى ذلك الأزمة التي تعيش على وقعها إسرائيل بعد فشل رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته والتوجه لإجراء انتخابات جديدة

وقد كان حديث جلالة الملك لكوشنر عراب خطة السلام الموعودة وفريقه المرافق وهو يجلدهم بالحقائق التاريخية والثوابت الوطنية ويجدد رفضه بأن يمارس عليه أي ضغط بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية والقدس ويؤكد لهم موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية والقدس كان بمثابة رسالة ملكية وطنية وقومية وعالمية بليغة التعبير لا تحتمل التبديل أو التأويل خاصة وإن هؤلاء الوسطاء غير النزيهين أكدوا مرات عديدة أنهم لا يشعرون بالالتزام بالصيغ السابقة التي قادت محادثات السلام بما في ذلك حل الدولتين ويقولون إن مقاربته حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تفكير خارج الصندوق لكنها في الواقع هي تحطم للصندوق تماما عندما تقفز المفاوضات عن حقائق الصراع الأساسية وتقايض الحقوق بالمكاسب الاقتصادية
ومن المعلوم ان تطمينات الجانب الأميركي لا تلقى ارتياحا لدى الجانب الأردني خاصة وأن واشنطن ترفض إطلاع عمان على التفاصيل السياسية الدقيقة للخطة ونحن كشعوب مكلومة كيف يمكن لنا ان نتوقع الحد الأدنى من الموضوعية والنزاهة من أي رعاية أمريكية للسلام في ظل هذه العنصرية والغطرسة والاحتقار الأمريكي للعرب والمسلمين وإسقاط الهوية العربية والإسلامية عن قبلتهم الأولى

لا داعي للتوضيح بان مواقف الأردن وجهوده حيال القدس والقضيّة الفلسطينيّة مركزية ومهمة وهي واضحة ومعلنة و قد ساهمت في وضع القضية الفلسطينية بصدارة اهتمامات المجتمع الدولي بما يقوده جلالة الملك من حراك سياسي في المحافل الدولية والسياسية وتأكيده المستمر بان قضية فلسطين ستبقى أردنية وعربية وعالمية مشتركة على الرغم من كل الضغوطات الإقليمية والدولية التي يتعرض لها الأردن نتيجة تمسكه بالثوابت العروبية تجاه فلسطين وبما يهدف الى التشكيك بمواقفه المشرفة والراسخة التي تتزامن مع التحديات والصعوبات التي يمر بها في الوقت الحالي والمتعلقة بالشأن الاقتصادي ولا يخفي على كل منصف التضحيات الكبيرة التي قدمها الأردن في سبيل الدفاع عن عروبة القدس والكلف العالية التي تحملها نتيجة الثبات على مواقفه الداعمة لقضايا الأمة العربية ولم يعد يخفى على أحد أن بوادر مؤامرة على كيان الدولة الأردنية بدأت تلوح بالأفق نظرا للموقف الصريح للملك عبدالله الثاني الرافض لهذه الصفقة المشؤومة ومهما تنوعت وتعددت الخطط والمؤامرات لتفتيت الجبهة الداخلية الأردنية وإضعاف هيبة الحكم وإشغال الأردن بالتحديات والظروف الاقتصادية الصعبة بهدف اعادة ترسيم المنطقة (الشرق الأوسط) لمصلحة ما يسمى بصفقة القرن فأن الملك عبد الله مدعوما بشعبه الوفي لم ولن يوافق على هذه الصفقة المشبوهة وان شرعية الهاشميين تحملهم الواجب التاريخي تجاه القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية المحتلة وسيبقى جلالته بكل ثقة واقتدار الدرع الصلب وقت الدفاع والسيف البتار عند الهجوم وان مواقفه تعتبر مشرفة لكل أردني وعربي والحمد لله اننا سمعنا من عمان كلام يثلج الصدور بعد محاولة كوشنر الفاشلة لجر الأردن نحو مستنقع صفقة القرن وبعدما وجه جلالته صفعة قوية له من خلال موقفه الصارم و الواضح و الشجاع حين صارحه بصلابة بان الدولة الفلسطينية يجب ان تقام على كل الأرضي المحتلة و عاصمتها القدس الشريف و لن يكون هنالك حل دون استرجاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وان هذا الموقف النبيل يكتب بماء الذهب لصالح ملك أردني هاشمي شجاع لم يساوم يوما على أوجاع القضية الفلسطينية من اجل مصالح قطرية ضيقة في وقت يظهر فيه جلالة الملك عبد الله الثاني المدافع الوحيد عن القدس وقضية فلسطين رغم هرولة البعض لبناء العلاقات الحميمية وعقد الصلح مع اليهود

المؤتمرات الصهيو-امريكية المقبلة التي ستعقد خطيرة وقيادتنا قالت كلمتها بكل اللهجات مما يوجب الالتزام الكامل بمضمون ومنطوق "كلا " الهاشمية التي أطلقها جلالة الملك عن قناعة وإدراك وهو يقف سدا منيعا كالطود الشامخ بمواقف لا تهزها الرياح العاتية في وجه كل محاولات الرفض والتدنيس الغطرسة والتهويد

مع كل ذلك لابد من تكثيف الجهود وحشد الدعم الشعبي لموقف جلالة الملك عبد الله الثاني لإيجاد قوة مجتمعية قادرة على مواجهة تداعيات الصفقة السلبية مع أهمية التركيز على الوحدة الوطنية وترسيخها وبناء تماسك وطني يقف خلف القيادة الهاشمية لما تتطلبه المرحلة الحالية وان تتظافر مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية مع رأي الشارع الأردني الداعم لاستمرار الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والتأكيد على حقيقة يقينية يان ( الأردن هي الأردن وفلسطين هي فلسطين ) ودون التطرق لاي حديث عن اتحاد كنفدرالي او مخطط للتوطين وأن توحد وتماسك الأردنيين بشأن قضية القدس هو الضامن الوحيد لعدم تنفيذ المخطط

ومن هنا نؤكد على أن هناك فرصة تاريخية أمام الأردن ممثلة بشخص جلالة الملك وتماسك الشعب حول القيادة لمواجهة ّصفقة القرن والامتناع عن حضور مؤتمر التنازلات وعدم إعطاء أي شرعية لمشروع تصفية فلسطين والأردن خبث لم تظهر أي مواقف عن لجلالة الملك نحو المشاركة او عدمها في مؤتمر البحرين حتى بعد تلقيه مكالمة هاتفية من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مساء الاثنين الماضي
جاريد كوشنير شخصية انتهازية متفردة يعمل بصمت ودهاء ليمرر أهدافه متعصب ليهوديته ومفرط في صهيونيته جائنا كوسيط غير محايد لتسويق خطته الجريمة الكبرى إلى المنطقة والأردن وهو ابن لأسرة داعمة للمستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة يهودية ونشأ كيهودي ملتزم يشعر بواجبه نحو أمن إسرائيل ومستقبلها وقد ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن عائلته ساعدت مؤسسات دينية متطرفة في مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة مثل مستوطنة "يتسهار" التي يعرف مستوطنوها باعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين ومستقبل إسرائيل لم يكن قضية سياسية بالنسبة له بل كانت تمثل ( عائلته وحياته وشعبه ) تربى على حماية إسرائيل واستخدمت عائلته ثروتها العقارية للتبرع بملايين الدولارات للمستشفيات والمدارس وغيرها من المؤسسات اليهودية والإسرائيلية بما في ذلك المستوطنات الغير شرعية ويساعد كوشنر حاليا الثنائي ترامب ونتنياهو في صياغة إستراتيجية لتجنيد الدول الإسلامية السنية التي تعارض إيران للمساعدة في تعزيز اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني أثناء دراستة الثانوية في مدرسة "فريش" في شمال نيو جيرسي قضى أياما طويلة في حضور الصلوات الإلزامية ( صباحا وبعد الظهر ) ودرس باللغة الإنجليزية والعبرية والآرامية ( لغة التلمود ) وأصبح لاحقا قوة في قطاع العقارات التابع لعائلته وهو عضو ذهبي في كنيس معروف بتوجهاته الصهيونية الدينية وقد أخذ قرضا لتمويل قطاع العقارات من بنك "هابوالي" الإسرائيلي واشترى شركة تأمين إسرائيلية كبرى تدعى " فينيكس " وتزوج من ابنة ترامب ايفانكا وأقنعها باعتناق الديانة اليهودية وقد سمى اصغر أبنائه ثيودور على اسم مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل

بقي من القول لقد رجع الفتى اللعوب كوشنر إلى بلده " بخفي حنين " يلملم خيبته ورحل عن عمان كضيف ثقيل بلا احترام ودون اهتمام لا يستوعب ما سمعته إذنيه ودون أن يحقق أهدافه المبيتة في مسرحية محكوم عليها بالفشل
mahdimubarak@gmail.com


















.