الرجل الذي أشرف على الهلاك!!

جفل جاري واضطرب، وانتفض جسمه بقوة، وتلفت برأسه يمينا وشمالا، وهو بين الذعر والدهشة والرعب، مستفسرا عما وقع. مرددا: شو صار، شو صار، وين، ايش؟!!

كان جاري الربعة المتصبب عرقا، في حالة لهاث وتشتت، تشي بأن شيئا ما صعقه وانتشله من سرحانه وغفوته.
قلقت عليه كثيرا واوشكت ان أذكره بنطق الشهادتين، فقد كان خائفا فزعا ممتقعا، وكان وجهه مثل ليمونة نضرة وكانت شفتاه بيضاوين متيبستين كشفتي تمثال.
طبطبت برفق على فخذ جاري، دون ان اقوى على فتح فمي، لتطمينه وتذكيره، بأنه حي يرزق، يستمع الى خطبة الجمعة في مسجد بقلب العاصمة عمان، لم يتعرض لتفجير ارهابي، ولا ضربته هزة أرضية من عيار 10 ريختر.
فقد جاء في الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال: «من تكلم والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له».
لم ينتبه الخطيب إلى حالة جاري الذي اشرف على الهلاك. فظل يخطب مستمرا في اسلوبه الذي يتراوح بين الصراخ والصياح والزعيق.
كان الخطيب مستغرقا في خطبته، التي غطى صوته البالغ الارتفاع، على مضمونها، فلم أره يمارس فنون الخطابة، التي تستدعي خفض الصوت حينا، ورفعه حينا آخر، والتوقف قليلا عن الكلام، وتأمل وجوه المصلين وادارة العينين فيهم، والتبسم والتجهم ...
سهوت عن الخطبة وانا اتأمل الحالة التي بين يدي. أوشكت ان استفسر الخطيب عن مبرر الصوت المرتفع، والصراخ المزعج، وبين يديه أحدث أجهزة الصوت، التي يمكنها أن توقظ الأموات !!
ولما قلبت الأمر وجدت أن هذه هي الطريقة التي يتبعها معظم خطبائنا الفضلاء في معظم مساجدنا في معظم ديار المسلمين !!
و لا اعتقد ان سبب ارتفاع الصوت في خطب الجمعة، راجع الى ارتفاع نسبة الصم بيننا !! او لأن نسبة الصم مرتفعة بين السادة الخطباء ذوي الأصوات الهادرة.
إنها إحدى عاداتنا المؤذية، التي نتوقع من سادتنا الخطباء، أن يتخففوا منها، وأن توجه وزارة اوقافنا، سادتنا الخطباء إلى مراعاة ذلك، إن كانت ترى ان وجهة نظري سليمة.