أزمة الولاء فــي الأردن : نظـــرة مــن الــداخل

 

أزمة الولاء فــي الأردن : نظـــرة مــن الــداخل

في بداية الأمر لابد من الإشارة إلى أن نظرية الولاء في الأردن ترتبط بثلاثة أطراف مرتبة حسب أهميتها لدى الشعب (الله. الوطن. الملك) وكل لفظة تحمل مدلولاً واضحاً فالله للدلالة على المعتقد الديني الجامع لـلإسلام والمسيحية،  والوطن المكان الطبيعي للرابط الاجتماعي لدى الشعب الأردني ففيه المولد والممات وفيه الرزق والسعي،  والملك لدلالة على النظام الســياسي القائم في الوطن (السلطة) .

مما سبق نلاحظ أن نظرية الولاء مقدسة لا تقبل النقص أبدا ولكن المشكلة ليست في نظرية الولاء هذه ، وإنما في  طبيعة المجتمع الأردني الذي يتكون من منابت وأصول عدة أهــمها بالدرجة الأولى الأردنيون الأصــلاء من العشائر  القبائل التي سكنت شرقي نهر الأردن في الريف والبادية و الأردنيون من أصل فلسطيني .

و تأتي في الدرجة الثانية  أقليات أردنية من أصول عربية : سورية ولبنانية وعراقية ومصرية، وأقليات عرقية أخرى غير عربية : الأرمن والشيشان والشركس، لكن الأقليات العربية والغير عربية لا تحمل تأثيراً واضحاً في صناعة القرار السياسي؛  بحكم العدد وسياسة الكـوتـات في التمثيل السياسي للمناصب الحكومية وبعض التشريعات التي أعطتهم حقوقهم .

وهنا نستطيع حصر أزمة الولاء في الأردن في نخبة سياسية لفئة محددة وهم النخبة السياسية من قادة رأي وكتاب صحفيين لفئة الأردنيين من أصل فلسطيني ؛ وأنا هنا لا أتعرض إلى الأردنيين من أصل فلسطيني بل إلى النخبة السياسية التي تتحدث باسمهم .

 فقد حاولت هذه النخبة الأردنية من أصل فلسطيني  إلى تصوير    معاناة الفلسطينيين الذين شردوا عن ديارهم واستضافهم الأردن كمواطنين متساوين مع نظرائهم الشرق أردنيين في الحقوق والواجبات وليس كبعض الدول التي استضافتهم كلاجئين في مخيمات ليس لديهم سوى بطاقة أو تصريح للدخول والخروج  وينقصهم الكثير من الحقوق الإنسانية وليست المدنية فقط.  

ويا للأسف نجد أن هذه النخبة المشبوهة تعاني داخلياً من أزمتين نفسيتين أولها : عقدة (في صياغة نظرية الولاء لله والوطن والنظام ) فلم يرضوا الله ولم  يتحدثوا باسم الوطن؛ ولم يكن الولاء للنظام إلا لمنفعة مؤقتة ينتهي هذا الولاء بانتهاء المنفعة .

وثانيها: العيش داخل عقدة ( الشرق أردنيين) وكأنهم أساس المشكلة   في صناعة الهوية الوطنية وقضية المحاصصة السياسية، بل ويحاولون إثارة النــعرات العنصرية بين الأردنيين والفلسطينيين ليبقوا في واجهة صنع القرار ولا أحد غيرهم.

إنهم يعانون من عقدة الأردني الأصيل والأردني الدخيل  ، ويتظاهرون بأن ولائهم للشعب الفلسطيني وفلسطين وكلاهما منهم براء؛ ذلك أنهم يصعدون  على جراحات الألم  الفلسطيني  ويحاولون الدخول إلى ساحة صنع القرار من مكان مشبوه - السفارة الأمريكية -  يتحدثون باسم فلسطيني الأردن والفلسطينيون لم يوكلوهم بالدفاع عنهم أو التحدث باسمهم.

فالمفارقة أن الفلسطينيين في الأردن يريدون حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المرجوة القابلة للحياة والتعويض عن فترة التهجير  في حين تحاول هذه النخبة سرقة الكلام من أفواههم وإسكاتهم والتحدث باسمهم عن قبولهم للتوطين مع منح الفلسطينيين حقوقاً كاملة  ومشاركتهم في المحاصصة السياسية وكأنهم لم يكونوا موجودين في الساحة السياسية من قبل وينقصهم الكثير من الحقوق .

وحقيقة الأمر أن ولاء هذه النخبة المشبوه ليس لله والوطن والملك ولا حتى الشعب الفلسطيني بل ولائهم لأجندة خاصة تتعلق بالمنصب وتقاسم الكعكة وتنفيذ بعض مطالب السفارة الأمريكية ولذا كان ولاؤهم مشبوهاً.

لقد كان الأجدر على الحكومة الأردنية البحث عن الممثلين الحقيقيين لفلسطيني الأردن البحث عن ابن المخيم الذي يتواصل مع الفلسطينيين ويعرف همومهم ومشاكلهم وليس هؤلاء الليبراليون أو الديجتاليون  ممن كانوا في أمريكا وأتوا ضيوفاً زائرين أو قدموا ومعهم المال الطائل فنسوا فلسطين وأوجاع الشعب الفلسطيني.

 في نهاية مقالي أخاطب جلالة الملك وأقول له: يا جلالة الملك هذه  النخبة المشبوهة لا تمثل سوى نفسها  ولا تعبر إلا عن عقد نفسية دفينة ... فالولاء عندها لحفنة من المال أو منصب حكومي أو رضى السفارة الأمريكية، إنهم لا يعبرون عن رؤية الفلسطينيين ولا أفكارهم ولا طموحاتهم ... سيدي الفلسطينيون يحبونك ويحبون الأردن  و لكن احذر من هؤلاء فإنهم لا يريدون بالأردن خيراً .