دفاعاً عن شهر رمضان الفضيل


الحمدُ لله وحدهُ ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده ، وبعد ...
قال الله تعالى :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ } ( سورة البقرة الآية 185)
في شهر رمضان تُفتح أبواب السماء وأبواب الجنة، وتغلق أبواب جهنم، وتُسَلسل وتُصَفَّد الشياطين ، فيه ليلةً تُعتبر أعظم ليلة في السنة، وهي ليلة القدر، في هذه الليلة يغفر الله لعباده المسلمين الخطايا، وتُغسل فيها ذنوبهم .
ولكن...!! في شهر رمضان هناك فئام من الناس جعلوا من حياة الكثيرين في هذا الشهر الفضيل صعبة ، ومتعبة ، ونالهم من الأذى والشدة ما لا يطاق .
ذلك أنَّ هؤلاء الفئام انتهجوا سلوكيات مخالفة لما شرعَ الله لعبادهِ ، وما سنهُ رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وفرضوها على غيرهم من الناس ، وكل هذا وهذا سببه غياب الوازع الديني وغياب الوعي والإرشاد عند الكثير من هؤلاء – هداهم الله - ؛ مما أدّى إلى تشويه الوجه المشرق لصورة الصيام؛ فقد ازدادت في هذا الشهر الفضيل حوادث السير والازدحامات الخانقة على الطرق والإشارات الضوئية ، والاضرار الناتجة عنها ، وخاصة قبيل ساعات الإفطار ، وعلت أبواق السيارات ؛ وارتفع معدل الجرائم ، وخاصة الجرائم العائلية ، والاعتداء والضرب والمشاجرات التي تنتج عن الخلافات الشخصية والعائلية ، وشهد الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك ست جرائم قتل مروعة في الأردن تعاملت معها مديريات الشرطة المختلفة بكل اقتدار وحرفية .
وارتفعت نسبة ظاهرة السهر الطويل عند الكثير من الناس وخاصة الأطفال ؛ فهم لا ينامون إلا بعد الفجر ، ويبدأ ليلهم من صباح اليوم التالي (بعد صلاة الفجر) لينتهي في أوقات الظهيرة وما بعدها ، وانتشر العديد من الشباب يطوفون في الشوارع بعد الإفطار حتى ساعات متأخرة من الليل ، فعطلوا بذلك مصالح الدين والدنيا ، وعطلوا الحركة المرورية في كثيرٍ من الشوارع .
وانتشرت جلسات الشباب ، والشابات وشرب الأراجيل على أرصفة الشوارع ، والسهر لساعات طويلة في المقاهي ، وأمام شاشات التلفزيون، وغرق كثير من الناس في بحر السهرات المخلة بحرمة الشهر الفضيل ؛ فيما يُسمَّى ولا حول ولا قوة إلا بالله بالخيم الرمضانية يلعبون الشدَّة ، ويشربون الأراجيل ، ويتسامرون ، واختلاط النساء والرجال ، وعلى أنغام ما يعرف بسهرات رمضانية على أنغام الطرب الأصيل ، واكتظت الشوارع بالسيارات ، وأصبحت مسارب السيارات أضيق عند المرور منها خاصة بالقرب من المطاعم ومحلات تناول الحلويات ؛ بالرغم من الجهود الكبيرة والمشكورة التي تبذل من الجهات الأمنية المختلفة للتعامل مع هذه القضايا والتي فرضت مزيدا من الاعباء والتكلفة الامنية للتعامل معها ، وتطبيق الأجهزة المختلفة للخطط المرورية الخاصة بشهر رمضان وزيادة الفاعلية والرقابة المرورية على المخالفات الخطرة في مختلف الطرق الرئيسة والخارجية الرابطة بين المحافظات
وفي شهر رمضان قلت نسبة الإنجاز في العمل في عدد من المؤسسات والهيئات العامة والخاصة ؛ بالرغم من أنَّ العمل عبادة وتعزيز لقيم دينية نبيلة، إلا أنَّ نسبة إنجاز العمل تتأثر بشكل سلبي خلال شهر رمضان المبارك، لأسباب متعددة منها الكسل والخمول الذي يصيب الكثير من الموظفين نتيجة السهر الطويل ، وعدم النوم بصورة كافية ، وتناول الأطعمة المشبعة بالدهون ، وعسر الهضم مع أنَّ الحكومة أصلاً خففت ساعات الدوام للتسهيل على الموظفين ، وحثَّت على الانضباط بالعمل ؛ فكثرت الاجازات والمغادرات الصباحية ، وزادت حدة المواجهات بين الموظفين في العمل ؛ وهناك من الموظفين من يستقبل المراجعين بالعصبية وغلاظة الطبع، وحدة المزاج ؛ فنراهم يغضبون لأتفه الأسباب ؛ لانقطاعه عن طعامه وشرابه وخاصة الدخان والقهوة ؛ بسبب ساعات الصيام الطويلة وما يعانيه بعض الصائمين من الصداع والجفاف والدوخة والغثيان وعدم انتظام دقات القلب ؛ فتؤدي به الى الهيجان والعنف لأتفه الأسباب .
في حين تشير عدد من الدراسات العلمية إلى أن تأثير الصيام على العمل والنشاط هو تأثير إيجابي وليس سلبياً كما يعتقد البعض، ولكن على أن يكون ذلك الصيام صياماً صحيحاً كما شرعه الدين ونصح به الأطباء؛ حينها تزداد الإنتاجية ويصبح العمل عبادة رمضانية كسائر العبادات ، وفي الشهر الفضيل تقل في الأغلب إنتاجية التعليم الإلزامي والجامعي في المدارس والجامعات بسبب كثرة غياب الطلبة المتعمد عن دروسهم ، ومحاضراتهم ، وتعطيل الدراسة ، واجبار المدرسين على الانصياع لرغبات الطلبة في تخفيف حجم المادة الدراسية متعللين بالصيام .
لذلك وفي الختام فإنَّ كل اعتداء وتعدي على حرمة رمضان ،ويرتكب في هذا الشهر الفضيل تمثل الشخص نفسه ، ولا تمثل المسلم الصائم ، وشهر رمضان بريء من هذه الممارسات والمخالفات ؛ ففي شهر رمضان تكمن فرصة المسلم في تغيير العادات السيئة واستبدالها بأخرى جيّدة، فيُنقّي المسلم نفسه من الأحقاد والخصومات السابقة طمعاً بالأجر والمغفرة، فيسامح من أخطأ بحقّه، ويعتذر ممّن تسبّب لهم بالأذى، فتصفو النفوس، وتزول الخطايا، وتسود المحبّة بين المجتمع ، وكسر شهوات النفس: شهوة الجسد، واللسان، والعين، والأذن، وباقي الجوارح، فيمتنع عن السّب والشّتم وسوء الخلق كامتناعه عن الطعام والشراب، والحاجة الجسدية، وغضّ البصر، وكفّ الأذى، وتجنّب الإصغاء إلى المُحرّمات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.