منظومة التعليم أَرْبَكَت ديوان الخدمة المدنية


الاعلان عن اعداد طلبات التوظيف التراكمية المدرجة على الكشف التنافسي لعام 2019م والنسب المتعلقة بها, ثم الكشف عن توجهات ديوان الخدمة المدنية المستقبلية في ضوء ذلك هو بحد ذاتيه خطوة متقدمة الامام من اجل اصلاح منظومة التعليم, فالأرقام الدقيقة والنسب المتعلقة بها هي العتبة الاولى لوضع الخطط الحالية والمستقبلية, على ضوء التضخم المستمر في اعداد طلبات التوظيف في مخزون ديوان الخدمة المدنية, مع ازدياد اعداد الخريجين من حملة المؤهلات الجامعية وكليات المجتمع المقدمة له سنويا في ظل محدودية عدد الوظائف في الجهاز الحكومي.
المتتبع للمجموع التراكمي لطلبات التوظيف المدرجة على الكشف التنافسي لعام 2019م والذي بلغ (388889) طلبا, يجد اننا امام مشكلة تأخذ بالتعمق يوما بعد يوم, وان انحصار هذه المشكلة لن يكون على المدى القريب, في الوقت الذي تدعوا فيه الحاجة الى مشروع انقاذ وطني شامل يشارك فيه اصحاب الاختصاص لتفريغ خزان ديوان الخدمة المدنية من اعداد الخريجين من حملة المؤهلات الجامعية وكليات المجتمع المقدمة له سنويا, فقد وصل هذا الخزان للأسف الشديد الى حالة من الانسداد نتيجة للأعداد المتراكمة فيه.
اشارت النسب المتعلقة بالمجموع التراكمي لطلبات التوظيف المدرجة على الكشف التنافسي لعام 2019م والذي بلغ (388889) طلبا, ان نسبة طلبات الاناث قد بلغت 75%, مقابل 25% للذكور, فيما بلغت نسب الجامعيين 82 %, والدبلوم الشامل 18%, توزعت على المناطق الجغرافية على النحو الاتي: اقليم الشمال ما نسبته 37%, واقليم الوسط 52%, في حين ان اقليم الشمال شكل ما نسبته 11%, واذا ما اضفنا النسب المذهلة والمتعلقة بالتخصصات الراكدة والتخصصات المشبعة نلاحظ ان جذور المشكلة قد بدأت منذُ سنوات من خلال الفوضى والتخبط في منظومة التعليم والمتمثلة بفوضى توزيع (مسارات) التعليم الثانوي, والتخبط العشوائي في توزيع (تخصصات) التعليم الجامعي.
وزارة التربية والتعليم معنية هنا بتوزيع (مسارات) التعليم الثانوي بشقيه التعليم المهني والتعليم الاكاديمي وفق دراسات احصائية وافية وواقعية تتعلق بحاجة سوق العمل من جهة وحاجات التعليم الجامعي من جهة اخرى, وان يكون لدى وزارة التربية والتعليم كافة التعليمات والانظمة والقوانين اللازمة لتوزيع (مسارات) التعليم الثانوي بشقيه التعليم المهني والتعليم الاكاديمي.
ثم ان وزارة التعليم العالي معنية بتحديد وضبط اعداد ونسب كافة (التخصصات) لدى الجامعات الحكومية والخاصة في ضوء التخصصات المطلوبة والتخصصات الراكدة والتخصصات المشبعة على ان تلتزم الجامعات الحكومية والخاصة بمثل هذه الاعداد والنسب, ..والملفت للنظر اننا نلاحظ انه بالرغم من ان كثير من التخصصات الراكدة والمشبعة والمعلن عنها في ديوان الخدمة المدنية بالرغم من كل ذلك, فقد نجد انه ما زالت الجامعات الحكومية والخاصة عندنا تفتح ابواب التسجيل والقبول امام الطلبة في مثل هذه التخصصات.
اعتقد جازما ان المجموع التراكمي لطلبات التوظيف المدرجة على الكشف التنافسي لعام 2019م والذي بلغ (388889) طلبا, يعود الى ثلاثة اسباب رئيسة هي: فوضى تتعلق بتوزيع مسارات التعليم الثانوي, ثم التخبط العشوائي في تحديد وضبط اعداد ونسب تخصصات التعليم الجامعي, يضاف الى كل ذلك عدم (التنسيق الفعلي) بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي من جهة وبين ديوان الخدمة المدنية من جهة اخرى.
نعم في ضوء الاوضاع الاقتصادية الحالية التي نمر بها فان الرقم (388889) والآخذ بالازدياد يوما بعد يوم, يعتبر رقما شبابيا متضخما, وان وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي تتحملان من فترة ليست بقريبة كافة المسؤوليات عن ذلك, وهنا يمكن القول ان الرقم (388889) يدعوا الى الوقوف والتوقف عند كافة التعليمات والانظمة والقوانين التعليمية المعمول بها حاليا, والعمل على اعادة صياغة تلك التعليمات والانظمة والقوانين من جديد كي تلامس الحاجات الفعلية والحقيقية لسوق العمل لدينا, وخلاف ذلك سنحتاج للأسف الشديد في قادم الايام الى خانات رقمية جديدة تضاف على يمين هذا الرقم.
بقي ان نقول: السؤال الجدلي الذي قام بطرحه البعض في الآونة الاخيرة والمتعلق بمن هو الذي أَرْبَكَ الاخر, منظومة التعليم ام ديوان الخدمة المدنية؟...اعتقد جازما ان منظومة التعليم هي التي أَرْبَكَت ديوان الخدمة المدنية, وليس هو ديوان الخدمة المدنية الذي أَرْبَكَ منظومة التعليم, اذن واضح من اين ستبدأ مفاتيح الاصلاح.
... ستبدأ من فلترة مسارات التعليم الثانوي, وضبط تخصصات التعليم الجامعي, عند ذلك ستفتح بالضرورة قنوات تصريف ديوان الخدمة المدنية.