«حفارو القبور» حين ينبشون حول الإسلام ويتجاهلون المتطرف الحقيقي



تحاول مراكز أبحاث دولية ولوبيات ومراكز ضغط في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إحياء فكرة «تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش»، والإيحاء بأن «داعش» فكرة لا تزال تقاوم ولم تندثر بشكل نهائي، والواقع أن فكرة «داعش» بالطريقة «الدموية والعنيفة» التي سوقت بها إعلاميا كانت مرسومة بعناية فائقة، كما أن التهم التي تسوقها دول عديدة ومنظمات دولية وباحثون وإعلاميون لدول معينة وأجهزة استخبارات في «صناعة» التنظيم الذي وجه سهامه وبنادقه نحو أبناء دينه ولم يوجهها نحو قوى يصنفها «كافرة» أو «محتلة» تضع علامات سؤال حول ما هو البديل لـ»داعش»، وهل سيبقى يقاوم إلى حين العثور على «البديل»؟!
يتجادل باحثون ومعاهد أبحاث أمريكية حول فكرة هل الدين والأيدولوجيا والأفكار هي التي تصنع «التطرف» و»الإرهاب»، وهل الدين، وبشكل مقصود، الدين الإسلامي يحمل في جذوره فكرة «التطرف»، أم أن المجتمع يتجه نحو العنف بناء على السياسيات الداخلية لبعض الدول في الوطن العربي؟!
خلص بعض الباحثين الغربيين الثقات إلى ما قاله كثير من الكتاب والباحثين العرب والمسلمين من أن الإسلام دين وسطي ومعتدل وإنساني لا يحمل أية فكرة متطرفة أو إقصائية لعرق أو لدين أو لأية قومية أخرى.
لقد ساهمت الحكومات والأنظمة العربية على نحو مقلق في صناعة «المتطرفين» بشكل غير مباشر، وربما عن غير قصد، عبر سياسات التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لقطاع عريض من مواطنيها، إضافة إلى الفساد المنتشر والمستشري في مؤسساتها، وحتى لا تضطر تلك الحكومات إلى حل أصل وجذر المشكلة لجأت إلى استراتيجيات محاربة «التطرف» عبر التضيق على جماعات الإسلام السياسي التي تضررت كثيرا من فكرة نشوء وصعود «داعش» ومن قبله «تنظيم القاعدة»، وإلى محاصرة المساجد والبدء في عملية حوار وطني ودولي حول الدين والتدين ومحاربة المناهج الدراسية بوصفها تساهم في «التطرف».
كان استهداف الدين والأفكار والاجتهادات الحل الأسهل والأقل كلفة للحكومات والأنظمة العربية بدلا من انتهاج سياسة داخلية وخارجية وطنية تقوم على بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على المنافسة وفتح فرص عمل لملايين الشباب العاطلين عن العمل، وبدلا من إرساء قواعد دولة القانون والدولة المدنية، دولة المواطنة والحقوق والواجبات، والحوكمة ومحاربة الفساد المالي والفساد الإداري، ذهبت إلى الحل الأسهل الذي يحقق لها فوائد عديدة لعل من أهمها نجاحها في شيطنة تيار سياسي مهم قادر على منافستها وتهديد سطوتها وهو الإسلام السياسي ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيما وخبرة في العمل الشعبي والجماهيري والدعوي.
وللمصادفة فقد دخل «داعش» ومعها ما يسمى «السلفية الجهادية» على الخط الرسمي العربي في معاداة جماعة الإخوان المسلمين، وساهموا بشكل كبير في لصق تهم غير صحيحة وزائفة وملفقة بالدين الإسلامي ربما نكاية بـ»الإخوان».
وبدلا من الصراع من أجل التنمية البشرية والبنية التحتية وتمويل الأبحاث حول التكنولوجيا والروبوتات والخلايا الجذاعية ومحاربة الأمراض المستعصية والاتجاه إلى الفضاء، لجأت الحكومات العربية إلى دغدغة مشاعر دفينة لدى الغرب في تشويه الإسلام بكل مضامينه، وبالتالي صعود التيار الشعبوي الذي رأى أن الهجرات المتتالية للمسلمين وللعرب إلى أوروبا هدفها الإحلال والإقصاء وطمس الهوية المسيحية والثقافة الأوروبية الغربية نتيجة لما يحمله لهم الإعلام من مشاهد مرعبة لما يقوم العرب ضد بعضهم البعض دون أن يكون للدين الإسلامي، كعقيدة ومنهج حياة أي دور أو مسؤولية في ما يحدث.
والواقع أن بعض الباحثين بدأوا يستخدمون مصطلحات جديدة على أثر «التطرف» الذي بدأ يطال كثيرا من الديانات مثل بروز ما يمكن تسميته «اليهودية السياسية» أو «الارثوذكسية السياسية» أو «الهندسية السياسية» و»البوذية السياسية»، رغم أن التيار الشعبوي في أوروربا هو تيار علماني على عكس التيار الشعبوي في الولايات المتحدة الذي يقف خلفه تيار «الإنجيليين الأمريكيين» القوي والمنظم والمدعوم ماليا وسياسيا.
إن العالم العربي يشهد فاشية جديدة لا علاقة لها بالدين ومصدرها مجموعة من المغامرين النزقين والمندفعين الذين يشعلون الحرائق إلى أي كل مكان تصل إليه محفظة نقودهم وأموالهم، فمن يريد ممارسة النفوذ عليه أن يفتح محفظة نقوده.
هل نشهد مرحلة جديدة من «الفاشية» المدعومة بالأموال، وحرب مصطلحات، وتراجعا في حقوق الإنسان نتيجة لتقديم الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية مصالحها مع الحكومات العربية على حساب حقوق الإنسان العربي؟
إن الهجوم على الإسلام والمسلمين بوصفهم مشكلة العالم الوحيدة هو تجاوز للصلاحية الأخلاقية، ولن يصمد طويلا لأنه بيت من ورق، ولأنه غير عادل أيضا وانتقائي بطريقة مؤذية، فالتطرف الذي يمارسه مثلا حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي في الهند بزعامة ناريندرا مودي، أو حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية» بزعامة أونغ سان سو تشي ومن خلفها رجال الدين البوذيين، أو الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة أو الضفة الغربية، أو ممارسات الحكومة الصينية ضد أقلية الإيغور المسلمة، هي مشكلة العالم الحالية والمقبلة، والتي على العالم الحر توجيه سهامه وأعلامه لكشفها.