"بريكسيت" بدون اتفاق يضع الاقتصاد البريطاني على صفيح ساخن

اخبار البلد

 

خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيكون بالتأكيد حدثاً تاريخياً خصوصاً أنه لم يسبق لأي دولة أن أوقفت تكاملاً مع أوروبا وعادت إلى سيادتها الوطنية التقليدية. لكن بريطانيا اختارت بإرادتها مغادرة الاتحاد الجمركي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية. ويناضل الداعمون لهذا المنحى أو "البركسيتيون" لتحرير بلادهم مما سمّوها "قيوداً بيروقراطية" يفرضها عليهم الاتحاد الأوروبي.

وفيما تناولت تقاريرعدة التداعيات التجارية والاقتصادية لهذا الطلاق الذي قد يحدث بلا اتفاق، يُطرح السؤال عن مستقبل النفوذ الدولي لبريطانيا ولا سيما منه العسكري، وعن قوتها السياسية المؤثرة في العالم خصوصاً أنها عضو دائم في مجلس الأمن؟ ويسارع مؤيدو الخروج هنا إلى الحديث عن أن خيارات المستقبل ستتمثل في نسج تحالفات مرنة مع دول أو كتل بحسب القضايا والمصالح المشتركة، كما سيساعد استمرار نشاطها في حلف "الناتو" و"مجموعة الدول السبع" و"مجموعة العشرين" وفي الأمم المتحدة في ضمان احتفاظها بصوت في المؤسسات العالمية.

وعلى رغم الجغرافيا، فإن المملكة المتحدة ليست جزيرة في بحر السياسة الخارجية. فأن يُنظر إليها على أنها شريك لا يمكن الوثوق فيه، يمكن لذلك أن يعرض شبكاتها وتحالفاتها للخطر في العقود المقبلة. وهي تحتاج أيضاً لأن تثبت لحلفائها أنها قادرة على الإنجاز، خصوصاً أنها تحتفظ بميزانيات دعم ودفاع كبيرة وشبكات ديبلوماسية واسعة، وقوة ناعمة في تحقيق التوازن بين علاقاتها المختلفة. ومع ذلك، تشير معظم التحليلات الاقتصادية إلى أن خروجها سيكون له تأثير سلبي على اقتصادها، مع آثار غير مباشرة على ماليتها العامة. وسيزيد هذا من الضغط على الإنفاق الحكومي. ومع تزايد التنافس على الموارد بين الوزارات، من المرجح أن يتراجع مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث بعض الشيء في قائمة الأولويات.

بريطانيا العالمية

"المعهد البريطاني الملكي للشؤون الدولية" يوضح أن مصطلح "بريطانيا العالمية" هو التعريف الذي يصوغه بدقة المكلفون رسم السياسات الخارجية للمملكة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. فلعقود مضت اعتمدت السياسة الخارجية البريطانية على شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة إلى جانب مشاركة نشطة مع أوروبا. لكن اليوم، كلا العلاقتين تتعرضان للتهديد. ويتوقع المعهد في قراءته تراجع حجم التعاون المؤسسي مع الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، وأن تُستبعد المملكة المتحدة من الاجتماعات الفصلية للمجلس الأوروبي، وأن تفقد إمكان الوصول المباشر إلى عدد لا يحصى من الاتصالات الحكومية الدولية التي تضم عضوية الاتحاد الأوروبي. ويرى أنه مع بلورة محتملة من الاتحاد الأوروبي لترتيبات أكثر مرونة، قد يكون هناك مجال لمزيد من المشاركة من المملكة المتحدة في قضايا المصالح المشتركة.

الدفاع والأمن

أما "معهد الأبحاث الدولي" ISS، الذي يرصد التطورات العسكرية والجيو سياسية والاقتصادية للدول، فيرى في خطوة الانفصال ستشكل ابتعاداً عن مشروع الدفاع الأوروبي الموحد، الذي أنشئ في العام 2017، والمقرر أن ينفق سنوياً 500 مليون يورو ما بين العامين 2021 و2027، لدعم الأبحاث الدفاعية وتمكين دول الاتحاد الأوروبي من تأمين العتاد الدفاعي. وبالتالي هناك احتمال أن تتقلص موازنة "صندوق الدفاع الأوروبي الموحد" بفعل الرحيل البريطاني. ويرى المعهد أن الأخبار السيئة للمملكة المتحدة تتمثل في أن شركاتها ستكون مؤهلة فقط لتقديم عطاءات كالأعضاء الآخرين من خارج الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمهم الولايات المتحدة. وقد يحدث ذلك توتراً بين المملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية. كما أن الخروج سيؤثر بطبيعة الحال على الجانب، بحيث تُعامل بريطانيا كدولة من خارج الاتحاد في البرامج الممولة منه.

النووي و"الناتو"

في العام 2014، فشل استفتاء في اسكتلندا في تحقيق الاستقلال عن المملكة المتحدة. لكن "بريكسيت" سيعيد بالتأكيد فتح الموضوع من جديد. وهنا يبرز السؤال عن مستقبل القوة النووية البريطانية التي توجد حصرياً على أراضي اسكتلندا، ناهيك بالغواصات النووية الموجودة هي الأخرى في مياهها، وعما يعينيه تشتت بريطانيا عسكريا واحتمالات فقدانها ترسانتها النووية؟ وفيما يبدو واضحاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يفضل تعاملات فردية على حساب الأطر متعددة الأطراف مثل "حلف شمال الأطلسي،" يمكن أن تصبح المملكة المتحدة نسخة عن أستراليا، إذا توقفت الولايات المتحدة عن أخذ دور "الناتو" على محمل الجد. ففي الحالة الأسترالية، يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية وعمليات التحالف الانتقائية التي تحصل بناء على طلب الولايات المتحدة، بدلاً من أن تكون جزءاً من تحالف متعدد الأطراف يضم روابط دفاعية شاملة وهياكل قيادة متكاملة وتخطيط استراتيجي مشترك.

إيرلندا وإسبانيا وقبرص

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن على إيرلندا الشمالية أن تغادر هي الأخرى. لذا ستكون هناك حاجة إلى إجراء عمليات تفتيش على حدودها التي يبلغ طولها 499 كيلومترا، حيث تُطبق قواعد تجارية مختلفة في الشمال والجنوب. وكان "اتفاق بلفاست" للعام 1998 قد أرسى الأسس لعملية السلام في إيرلندا الشمالية. ولا يريد أي من الطرفين إعادة عمليات التفتيش على الحدود بسبب المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها السلام القائم بينهما.

أما في ما يتعلق بقبرص وإسبانيا التي لبريطانيا وجود فيهما، فهناك مشكلة "جبل طارق" الجيب البريطاني في جنوب إسبانيا، الذي احتل ملفه جزءاً كبيراً من جولات المفاوضات الأوروبية البريطانية، خصوصاً بعد تهديد مدريد بعرقلة مسودة الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين بروكسل ولندن، ما لم تخضع لتعديل ينص بوضوح على أن مستقبل منطقة جبل طارق المتنازع عليها والتابعة لبريطانيا، سيتحدد عبر محادثات بين البلدين. فإسبانيا ترفض استمرار السيطرة البريطانية على جبل طارق، بموجب معاهدة أوسترخت الموقعة العام 1713، وتطالب منذ أعوام باستعادة السيادة على المنطقة.

وأخيراً، هناك معضلة الحدود بين المناطق العسكرية البريطانية في أكروتيري وديكيليا وقبرص. فهاتان المنطقتان السياديتان احتفظت بهما المملكة المتحدة بعد استقلال مستعمراتها السابقة في الجزيرة، لا تزالان تطبقان بعض قوانين الاتحاد الأوروبي بسبب البروتوكول الملحق بقانون انضمام قبرص في العام 2014. وتشكلان معاً نحو 3٪ من مساحة جزيرة قبرص، فيما يعيش ويعمل فيها آلاف من مواطنيها. والقاعدتان ليستا مجرد مطار أو ميناء عسكري، فهما اليوم أشبه بمدن صغيرة فيها مصانع ومدارس وحقول زراعية. حتى لو تم الافتراض أن بريطانيا ستعيدهما إلى قبرص، فستكون هناك مشكلة أخرى وهي أن ديكيليا تقع بالكامل في قبرص التركية، وبالتالي يحق لها المطالبة بها.