قـِيـَـم النهضة الماليزية

تحولت ماليزيا من دولة ضعيفة، خرج منها المستعمر تاركا وراءه شعبا يقتات من زراعة الأناناس والموز وصيد السمك، إلى إحدى أكبر الدول الصناعية المنتجة، والتي لاتخضع لأي دين خارجي أو عجز مالي.
حيث قيض الله لهذه البلدة  قيادة وطنية مخلصة تحمل هم شعبها، قد فاضت قلوبهم انتماء وإخلاصا فأخذوا على عاتقهم مسؤولية النهوض والتطوير، من خلال ما لديهم من طاقة بشرية وإمكانيات وموارد طبيعية.
واجتمع لأجل هذا الهمّ القومي كبار قادة ماليزيا، ليخرجوا بعد دراسات واجتماعات بمشروع النهضة الماليزي .
مشروع متكامل وخطة مدروسة واضحة المعالم : ماليزيا دولة صناعية بعد خمس وعشرين سنة.
وكان لابد لهذا المشروع الانتقالي التاريخي من قيم راسخة قوية يقوم عليها المشروع، ويلقى النجاح والقبول بين أفراد الشعب الماليزي.
لقد وضع قادة ماليزيا مبادئ ثلاثة، هي في حقيقتها: (قيَم النهضة الماليزية):

القيمة الأولى: إذا كان يحق للأمريكي أن يقول (أمريكا أولاً)، فإنه يحق للماليزي أن يقول:(ماليزيا أولا) .
بناء نفسي وروحي، يغرس في النفس استعدادا للمنافسة، ويشعل روح التحدي والرغبة في التميز والتقدم والرقي، فكما استطاع الأمريكي أن يتقدم في مجال التعليم والصناعة والتجارة والتقنية والبناء، استطاع الماليزي أن يفعل ذلك كله، وهو في طريقه هذا وعينه على الريادة والتفوق على الأمريكي.

القيمة الثانية : مايستطيعه غير الماليزي، يستطيعه الماليزي.
إنه التخلص من الشعور بالنقص والعجز،فلا مستحيل مع التخطيط والعمل الدؤوب، ونبذ السلبية والتبعية.
زار رئيس وزراء ماليزيا الأسبق د.مهاتير محمد أمريكا والتقى أحد رؤسائها السابقين الذي قام بدوره بالتفاخر أمامه ببرجي التجارة العالمي، فكان رد الدكتور مهاتير بأنه سيرى قريبا في ماليزيا برجين أرقى وأجمل منهما، وهذا ما حصل فعلا.

القيمة الثالثة : أنت الرقيب على نفسك .
إنها ثقافة وخز الضمير والشعور بالمسؤولية والرقابة الذاتية،  ثقافة تمثلها ملك ماليزيا ورئيس وزرائها قبل أصغر عامل فيها، انتماء الشخص الصادق لوطنه، وإيمانه بمشروع النهضة دفعه تلقائيا إلى أن يعمل دون أن ينتظر رقيبا على عمله، ويلتزم ولا يخالف دون أن ينتظر عقوبة تردعه عن المخالفة،  ولك أن تتجول في شوارع كوالالمبور لتجد ألوف السيارات تتحرك بسلاسة ويسر وانتظام دون أن ترى سيارة واحدة لشرطة المرور، فالكل يعرف النظام ويلتزم به، وكذا حالهم في عملهم.

لم يكتف قادة ماليزيا بوضع هذه القيم الثلاثة وإعلانها للناس بشتى الوسائل، بل وضعوا مشروعا لنشرها كثقافة وطنية، وقيم ماليزية على مدى سنتين من الدعاية والتوجيه والتسويق والشرح حتى يفهمها جميع أفراد الشعب على كافة مستوياتهم، وتتغلغل هذه القيم في نفوسهم .
وكانت النتيجة أن حصل التغيير المنشود، وتحولوا إلى شعب يفاخرون العالم بإنجازاتهم وحضارتهم، ومشروعهم الذي لم يكن أقولا بلا أفعال، ويرفعون رؤوسهم بشعارهم الواقعيّ: ماليزيا أولا.