مشاهدات من سوريا ... على الجزيرة
راقبت الجزيرة الجمعة الماضية بعد صلاة الظهر ، ولمدة اكثر من ساعة ، ولاول مرة افعل ذلك منذ زمن طويل ، فمتابعتي اليومية لها لا تتعدى الدقائق بين الفينة والاخرى ، لان هذه الفضائية غير مقنعة ومحل شبهة ، وانحيازها بلا حدود .
كانت فقرة الاخبار عن سوريا ، وعن "ثورتها" ، التي تتصدى لتغطية احداثها ، فضائية الجزيرة التثويرية ، فضائية الحرية والديمقراطية والتعددية ، فضائية العداء للامبريالية والصهيونية ، لا تهاب في الحق لومة لائم ، حتى وان قبعت بجانبها ، القواعد الامريكية في المسيلية والعديد .
كان هناك لقطتين او ثلاث لقطات ، لمظاهرات حمل احدهم خلالها امام الكاميرا ، لوحة كتب عليها اسم المدينة ، والاسم الذي اطلق على تلك الجمعة ، وتاريخ المظاهرة ، عرضت لمدة عدة ثوان ، للتدليل على ان اللقطة حقيقة من حيث المكان والزمان ، وكان عدد المشاركين كبيرا الى حد ما ، بحيث يمكن اعتبارها تجاوزا ، لقطات من مسيرات حقيقية ،
كما كان هناك حوالي ضعفي هذه اللقطات ، لم تظهر فيها اللافتة التي تحدد الزمان والمكان ، تم تصوريها من خلف عشرات المشاركين في المظاهرة ، بحيث لم يظهر وجه اي واحد منهم ، طبعا رافق هذه اللقطات اصوات هتافات ، دون ان نرى من يهتف ، مع تكرار لكل تلك اللقطات .
الملاحظة المشتركة على كل تلك المسيرات ، قصر مدتها ، الى دقيقة او دقيقتين ، او الى اقل من دقيقة ، مع ان الهاتف المحمول يمكن ان يصور لقطات اطول ، تصل الى الساعة ، ويمكن ارسالها بالانترنت ، بدلا من الرسائل الخلوية .
كما لم نسمع اصوات اطلاق نار على المتظاهرين ، ولم نشاهد قوات امنية تقف في وجههم او تصطدم معهم ، ولم نشاهد تراكضا واندفاعا للمشاركين عقب اطلاق النار عليهم ، او اصابات على الارض ، كما يحدث في كل الممارسات القمعية للمتظاهرين ، في كل دول العالم ، كما لم نرى في العديد من تلك اللقطات ، من دفعته غيرته الوطنية ، للتحدث ولو مقنعا عن همه الوطني ، وهدفه من المشاركة بالمظاهرة .
امام هذه المشاهدات ، قد يخطر بالبال احتمالين ، اما ان بعضا من هولاء المتظاهرين ، وفي بعض اللقطات ، يخرجون للتصوير فقط ، ثم يقبضون اجورهم ويعودون لبيوتهم ، كما علمنا من بعض المواقع الاخبارية السورية ، وبالتالي لن يكون هناك وقت كاف للجيش والامن لممارسة "قمع المتظاهرين وقتلهم" ، او انه لا توجد ممارسة قمعية اصلا ، وتنتهي المظاهرة بدون عنف ، رغم الهتافات المسيئة المستفزة .
كان هناك هتاف لفت انتباهي ، يقول الهاتفون " خاين خاين خاين ... الجيش السوري خاين " ، هذا احد هتافات من يسمون ثوارا ، هل الثوار يهجون جيش بلدهم هكذا ؟ وما مغزى هذا الهتاف ، ان كان صحيحا ما يشاع عن انشقاق في الجيش ، وهل اخلاق الثوار والاصلاحيين ، تقبل بمثل هذا الهتاف ضد جيشهم الوطني ، كان الاولى بهم ان يخطبوا ود الجيش ، كي يعززوا الانقسام المزعوم ، لكن لمثل هذا الهتاف مدلول اخر ، انه يدلل على وعي ووحدة الجبش ، في تصديه للمؤامرة ، وايضا يدلل على انه ليس الفرقة الرابعة ، والتي تلصق بها تهم طائفية ، هي التي تتصدى لهم ، بل الجيش كله ، فالفرقة الرابعة ، بعددها وامكانياتها ، لن تستطيع تغطية كل مناطق سوريا ، من دير الزور الى اللاذقية ، الى درعا والى ادلب ، مرورا بحمص وحماة .
لست خبيرا في تقدير عدد المتظاهرين ، لكن الاعداد التي شاهدتها على مدار اكثر من ساعة ، من بث الجزيرة الفضائية ، لا يصل الى اثنين بالالف من سكان سوريا ، الثلاثة والعشرون مليونا ، لقد شاهدنا عبر الشاشة السورية خلال العقود السابقة ، مسيرات تاييد في مناسبات عدة ، تم تصويرها من الجو ، كانت كل الشوارع المؤدية الى البنك المركزي مثلا ، في ساحة السبع بحرات في دمشق ، مكتظة عن بكرة ابيها ، وكان الاعلام السوري "المتهم دائما بالمبالغة" بقدر عدد المتظاهرين بمليون على اكثر تقدير ، وقياسا عليه ، استطيع ان اخمن النسبة التي ذكرت .
خلاصة القول ، ان سوريا تتعرض لحملة اعلامية شرسة ومخادعة ، تترافق مع فصول المؤامرة على وحدة ارضها وشعبها ، وانا على ثقة ، ان الاغلبية من الشعب السوري المسيس ، والتي بلا شك تطالب بالاصلاح السلمي ، وتحتضن معارضة وطنية شرسة ، لا تهادن بمطالبها ولا تجامل ، لكنها ايضا لا تفرط بوحدة وطنها ، ولا تسعى لتدميره ، ولا ترهنه للاجنبي، لا بد ان هذه الاغلبية تدرك ابعاد المؤامرة ومراميها ، لتفتيت سوريا وتمزيقها الى كانتونات طائفية ، تنفيذا عمليا لخارطة الشرق الاوسط الامريكي الجديد ، الذي قرأت مرة انه استكماله سيكون عام 2025 ، وفي مكان اخر كان التاريخ المحدد 2040 ، ويبدو ان هذا التاريخ تم تقديمه الى ما قبل هذين التاريخين .
مالك نصراوين
08/09/2011