هل اندلعت الحرب التجارية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية؟
جاء الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) إلى العالم بعقلية واضحة و مباشرة التصريح عن ذاتها، فهو رجل أعمال و مضارب بامتياز، و يضع المصالح الاقتصادية الأمريكية في مقدمة جدول الأعمال، ولم يتوان عن قلب الموازين التجارية مع الأصدقاء قبل الأعداء، بدءا بفرض (التعرفة الجمركية) و الإجراءات الحمائية للصناعة المحلية ضد المستوردات من (كندا و أوروبا و الصين) بذات النسق، متجاوزا أية اعتبارات سياسية لطالما اعتبرت ثوابت للإدارات الأمريكية المتعاقبة.
المنظور الأمريكي للصين يشوبه التباس عميق؛ حيث تختلط السياسة و الاقتصاد، فمن جهة السياسة يقع الصدام الكامل مع دولة ما زالت تمثل شكلا صارخا من الأنظمة (الشمولية و المركزية و الاشتراكية) وهذا ما لا يتوافق مع (الرأسمالية و الديمقراطية) التي في الغرب.
البعد الأكثر خطورة في تناول مسألة الصين في العيون الأمريكية هو ذلك النمو الهائل في النشاط التجاري و الاقتصادي للبضاعة الصينية على حساب تراجع الحصة السوقية للبضاعة الأمريكية، مدفوعا بقدرة الصين على تخفيض الكلف و بالتالي السعر كنتيجة لتوظيف مبدأ (الإنتاج الواسع و اقتصاديات الحجم) التي برع الصينيون في توظيفها لخدمة التنافسية على مستوى العالم، وفوق ذلك التدخل الواضح للحكومة الصينية في (سعر صرف اليوان أمام الدولار) والذي يساهم في خفض تسعيرة المنتج الصيني عند تصديره. وعلاوة على ذلك، فإن قدرة الصين على التملص من تبعات (حقوق النشر و حماية براءة الاختراع) و البراعة في (تقليد و تزييف العلامات التجارية) جعل من الصين طرفا صعبا في معادلة التجارة العالمية.
من جهة أخرى، فإن تناول جملة من الحقائق السريعة التالية عن (الصين و أميركا) تدفع المراقب إلى استنتاج حالة التناقض في طبيعة العلاقة الاقتصادية، هل هي شراكة أم حرب اقتصادية؟
حقائق اقتصادية موجزة:
بلغ حجم التجارة بين الصين و الولايات المتحدة عام 2018 من السلع و الخدمات ما قيمته $737.1 مليار، حيث صدرت الولايات المتحدة للصين ما قيمته $179.3 مليار، و استوردت ما قيمته $557.9 مليار، بإجمالي عجز في الميزان التجاري الأمريكي لصالح الصين مقداره $378.6 مليار.
العجز التجاري الأمريكي لصالح الصين بلغ في مجال السلع $419.2 مليار، بينما بلغ العجز التجاري الصيني لصالح الولايات المتحدة في مجال الخدمات $41 مليار.
الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في الصين عام 2017 (أسهم) $107.6 مليار، بينما بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في الولايات المتحدة عام 2017 (أسهم) $39.5 مليار.
الناتج المحلي الإجمالي عام 2018 للولايات المتحدة بلغ 20.5 تريليون دولار، بنسبة نمو 3.4%، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي عام 2017 للصين 12.3 تريليون دولار، بنسبة نمو 6.6%.
أمام هذه الأرقام المهولة، يمكن للقارئ استنباط مدى ذلك التداخل الكبير في اقتصاديات الدولتين، و أن الصين باتت لاعبا تجاريا عالميا لا يمكن تهميشه بأي شكل.
ما هو الحل ؟
لدى الإدارة الأمريكية جملة أدوات تمارسها في وجه (التنين الصيني) من شأنها إرباك المشهد و إحباط الطموحات المتعاظمة لبيجين، من أبرزها مايلي:
1-قطع مشروع إحياء طريق الحرير التاريخي و ذلك عن طريق تفجير الحالة في أفغانستان و إيران و سوريا و العراق.
2-تأزيم الحالة الطائفية لدى الأقليات مثل المسلمين في الصين و مجازر بورما و توظيف ذلك في نزعات انفصالية و ثورية تزعزع الاستقرار في الصين و محيطها.
3-فتح ملف حقوق الإنسان و الحريات الصحفية في الصين و توظيف المعارضين و التقارير الدولية ضد الأهداف الصينية في المحافل الدولية.
4-إجراءات حمائية و تعرفية و كوتا من شأنها الحد من حرية تدفق المنتجات الصينية للسوق الأمريكي.
5-محاكمات دولية ضد الشركات و الحكومة الصينية بسبب انتهاك حقوق النشر و التأليف و حماية براءات الاختراع.
6-تبني نموذج بث الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الأمريكية و الأوروبية مما يتيح المجال لاختراق الإعلام و تحرير البث التلفزيوني و فك الرقابة على مواقع الإنترنت التي تحظرها الحكومة الصينية.
7-عقوبات ضد الحكومة و الشركات الصينية تحت مبررات سرقة الأسرار الصناعية عبر مظلة الشراكات بين الشركات الصينية و الغربية، و معاقبة الشركات التي تنخرط في مثل تلك الشراكات في الغرب.
8-استثمار حالة تايوان و كوريا الشمالية كمبرر لإشعال بؤرة صراع متجددة التوتر من شأنها تبرير التواجد العسكري في المنطقة و تأزيم الحالة الصينية.
9-الاستمرار باتهام بيجين بتزوير تقاريرها الاقتصادية و عدم الشفافية عند الإفصاح عن بياناتها الدولية.
ما حدث مع شركة (هواوي) الصينية و مشغلها (أندرويد) ليس سوى مقدمة لطبيعة التصعيد الآلى للاشتباك في حرب تجارية مقبلة على العالم، وما اتهام شركات الاتصالات الصينية بانتهاك مبدأ الخصوصية و التجسس عبر (أنظمتها و معداتها الإلكترونية المتطورة) سوى تمهيد الأرضية للمعركة.