لماذا الجنوب من دون غيره?

يمكن لخطّة تنموية ان تساهم في تعديل المزاج السلبي لكنها لاتكفي لفك اللغز .



في لقاء الكتاب الصحافيين مع جلالة الملك اواخر شهر رمضان قدم الدكتور فهد الفانك اقتراحا وجيها يقضي بوضع خطة لتنمية محافظات الجنوب من خلال قانون يحدد المشاريع التنموية المطلوبة وحجم الانفاق المخصص ضمن فترة زمنية محددة. ايد الزملاء الحاضرون الاقتراح وانا منهم بالطبع كما لقيت الفكرة استحسان جلالته.

الاقتراح جاء في سياق نقاش يمكن تلخيصه بسؤال يحضر باستمرار في اللقاءات الرسمية : لماذا يتصدر الجنوب من دون غيره حركات الاحتجاج الشعبي?

اجتهد كثير من المحللين والخبراء في تفسير ظاهرة الجنوب, البعض عزا الامر الى عوامل تاريخية, واخرون قالوا ان الفقر والشعور بالاقصاء والتهميش هما يدفع ابناء الجنوب الى الصدام الدائم مع الحكومات, بينما حمل ساسة الحكومات المسؤولية عن تردي الاوضاع في الجنوب مع ان حصته في المواقع القيادية بالدولة ليست باقل من باقي الاقاليم والمحافظات.

وفي هذا الخصوص اود ان اشير الى القراءة العميقة التي قدمها الزميل المبدع الدكتور باسم الطويسي لما يمكن ان نسميه بظاهرة الجنوب في الاردن في اكثر من مناسبة ومنبر. ولعل العودة لها ولغيرها من المساهمات تساعد في فهم الجنوب وادراك اولويات اهله والاحاطة باسباب المزاج السلبي تجاه الحكومات الذي تعكسه باستمرار استطلاعات الرأي العام, وترصده تقارير وسائل الاعلام.

الجنوب ليس ظاهرة فريدة و مشاكل ابنائه هي مزيج من هموم كل الاردنيين, لكنها تتكثف على نحو استثنائي حيث تتشابك الظروف والمعطيات لتخلق وضعا يشعر معه سكان المحافظات الجنوبية بالحرمان والتهميش.

يمكن لخطة تنموية ان تساهم في تحسين الاحوال المعيشية هناك, وسيكون لها من دون شك انعكاس ايجابي على موقف المواطنين تجاه حكوماتهم, لكن التنمية وحدها لا تفك لغز الجنوب, ثمة حاجة ماسة لمقاربة اوسع في النظرة للجنوب تتجاوز المفاهيم السائدة وهي في معضمها خاطئة كالاعتقاد بأن الناس هناك متعطلون ويبحثون عن وظائف سهلة تدر عليهم المال. ابناء الجنوب مثل كل المواطنين يملكون القدرة على التحدي والتميز في الاداء ولديهم ما يكفي من الكفاءات في شتى المجالات والتخصصات, ومناطقهم زاخرة بالفرص الاستثمارية والموارد الطبيعية التي تدر ذهبا على الاردن.

الناس في الجنوب لايريدون معاملة تفضيلية كما يتوهم ساسة عمان, وانما معاملتهم على قدم المساواة مع الاخرين.

في الجنوب يستهل الناس حديثهم مع القادمين من العاصمة بالسؤال عن احوال الاردن, انهم مهمومون بالوطن ولهذا يرفعون صوتهم دائما قبل غيرهم.