طاهر العدوان يكتب:(ويكيليكس) والسفير المتحامل

اتوقف عند نقطة واحدة في الوثائق التي سربها "موقع ويكيليكس" كما وردت في برقية للسفير الامريكي في عمان بتاريخ 15 ايلول 2008 . وهي استخدام مصطلحات مثل "عشائريين, محافظين شرق اردنيين" و "معارضين للفلسطينيين" وذلك في معرض دفاعه عن احدى الشخصيات السابقة بسبب ما وصفته البرقية "انه من اصول فلسطينية".

مثل هذه المصطلحات ترددت بكثرة في الصحافة الامريكية خلال الاشهر الماضية, وفي سياق التغطيات الاعلامية للحراك الشعبي في الاردن, ولكن من زاوية مختلفة هذه المرة فاصحاب هذا الحراك في التقارير الصحافية المذكورة هم بدو وعشائريون "شرق اردنيين" يحتجون على (اهمال) الدولة لهم لحساب من هم من "اصول" فلسطينية وخوفا من (تناقص نفوذهم) في الحياة السياسية.

بالطبع تدل محتويات برقيات السفير الامريكي السابق على ضحالة فهمه لحقائق الاوضاع في البلد وتحامله على الاردنيين, كما انها تشكل استفزازا حقيقيا يُعرّض أمن البلاد للخطر, والخشية ان تأخذ مثل هذه الاراء السوداء مكانا لها في الرؤية الامريكية تجاه الاردن, واذا ما اردنا الاعتراف بامكانية وجود تغيير على السياسة الامريكية في الشرق الاوسط, تقوم على معادلة جديدة لمصالحها في ضوء ثورات الربيع العربي, مع التذكير بالشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل, فان مثل هذه الاراء التي يحتويها تقرير سفير امريكي تسير بالاتجاه المعاكس للمصالح الاردنية وتهدد امن واستقرار المجتمع.

من الواضح, ومنذ وقت طويل, ان هناك قوى اجنبية من انصار اليمين الاسرائيلي الحاكم واصدقاء اللوبي الصهيوني في واشنطن تسعى الى خلق "مشكلة فلسطينية" داخل الاردن تخدم في المحصلة خطط التهام الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشريف, فالاردنيون إمّا عشائر متفرقة تعيش على عطايا الدولة او بدو معادون للاصلاح وللفلسطينيين الى آخر مثل هذه المزاعم.

ان قيام السفير الامريكي السابق بتوظيف انطباعاته الخاطئة لتقسيم الاردنيين شيعا واحزابا متناحرة كما اظهرت وثائق ويكيليكس, يدل على وجود نظرة غير موضوعية في فهم حقائق الدولة والمجتمع في الاردن. فالتعددية الثقافية والاجتماعية المستندة الى الطبيعة التاريخية لتكوين الشعب الاردني بمنابته واصوله المختلفة هي نموذج متقدم للمجتمع المدني الذي يضم احزابا ونقابات وجمعيات مستقلة منذ عقود, في الوقت الذي سادت فيه الانظمة الشمولية اجزاء كثيرة من العالم العربي. اما العشائرية كوجود اجتماعي - بمن فيهم البدو- فهي لا تقتصر على الاردنيين من دون الفلسطينيين وانما هي احدى سمات المجتمع الاردني بمختلف اصوله.

صحيح, توجد تناقضات بين فئة اجتماعية واخرى, لكنها تكون طبيعية ومفهومه اذا تمت قراءتها بنوايا حسنة وبموضوعية تراعي الحقائق السياسية والاقتصادية, اما اذا تم توظيفها بنوايا سيئة, مثل ما تطرحه الصحافة الاسرائيلية عن اوهام "ربيع عربي مختلف" في الاردن يثير النعرات والانقسامات. فهذا قد ينعكس في تقارير سفير مستشرق, وفي صحافة امريكية يمولها اللوبي, لكن لا مكان له في حقائق حياة الشعب الاردني ووجوده.

مثل هذه التناقضات وغيرها من المطالب بالحقوق السياسية والاجتماعية لا تواجه بالدق على دفوف الفتنة, انما بالمزيد من الاصلاحات السياسية وبناء المؤسسات الديمقراطية التي تعزز قوة الشعب الاردني ونظامه السياسي في ظل قيم الحرية والوحدة وتصليب الارادة الوطنية بمواجهة الاحتلال الصهيوني ومحاولاته الفاشلة الدائمة لترحيل ركام القضية الفلسطينية الى خارج فلسطين.