لننظر إلى وطننا بقلب سليم

 

 


ليس من العدالة أن يصار الى تشويه مسيرة الأردن السياسية ، بغرض اعطاء مشروعية لنسخة من الاصلاح تعمل على تحقيق مصلحة بعض القوى الحزبية والتي تتقاطع في تطلعاتها مع المصالح الغربية الراهنة على حساب المنطقة، وليس من الوفاء ان يتم وضع الألغام من تحت الوطن الاكثر عقلانية وتسامحا في المنظومة العربية، فالبلد لا يستحق من أبنائه إلا وضع باقات المحبة في عنقه، وهو الذي قدم الكثير في مجال الحريات العامة والحقوق الدستورية ، ويمكن أن نرى انجازاتنا، وتنوعنا، وانساننا النوعي الذي طور الإدارات في دول الخليج العربي، فضلا عن غنى بنيتنا الاجتماعية، وكثيرة هي المعطيات الايجابية في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، وشبكة حماية الفقراء المعمول بها في بلد غير نفطي. وان أخفقت مرحلة فما اخفق الوطن، وهنالك دائما قدرة على الإصلاح، وتجاوز التحديات، والمهم هو الحفاظ على المنجزات ، وتكريس مفهوم الأمن الوطني، والاستقرار فهو صفة هذا البلد الذهبية، ويمكن الوصول إلى تسوية تضمن مصالح الجميع، على أن يعلو شأن الوطن، ولا يتعرض للانتقاص بالتعرض الى رموزه السيادية، والطبقة السياسية لا يليق أن تنخرط في مشروع عبثي على خلفيات شخصية، فالمناصب ليست دائمة لأحد، وليتذكر كل فرد ما حقق من مكاسب ربما لم تكن لتتأتى في غير مكان، ولا يليق أن تنقلب المواقف بمجرد مغادرة مواقع المسؤولية، فالوطن يعلو فوق الكراسي، والمصالح الفردية الضيقة. ذلك ان كثيرا مما يجري تقف من خلفه جهات دأبت على اعاقة عمل الحكومات لمجرد بقائها خارج دائرة العمل الرسمي، واستخدام الصلاحيات.

والتعبئة السلبية ليست وسيلة صالحة كي تجدد الشخصيات من خلالها عمرها السياسي، واستخدام قضايا الأردنيين في البعد الشخصي، فقد قدم هذا البلد الكثير، ومن حقه علينا أن لا نتحول إلى خناجر تطعنه في الخاصرة، وفي الظروف الصعبة تتبين معادن الرجال، ويتقدم الوفاء، وحفظ الجميل، والوقوف في خندق الوطن على أية اعتبارات أخرى.

وحيث لا يمكن أن نضع أنفسنا كجسر لمرور المشاريع الدولية المشبوهة على حساب مستقبل الشعب الأردني، وطموحاته المشروعة في التنمية، والعيش الكريم، وبعد ذلك ندعي الوطنية.

نستطيع أن نكون صالحين في المسؤولية، وخارجها، وان نقدم أداء سياسيا يراعي متطلبات الحفاظ على الأمن الوطني، والتنبه إلى أن استمرار النخر في القاعدة الشعبية لن يكون محسوب النتائج، وربما يؤدي في المحصلة إلى خسارة الجميع، ولتكن المواقف نزيهة، ومتوافقة مع المصلحة الوطنية العليا.

نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تأكيد الثوابت ومنها هوية النظام السياسي، والى الانحياز للمصلحة الجماعية التي لا يجوز أن تصبح عرضة للأهواء، وتقلبات المواقف بين المعارضة والموالاة، ولننظر بقلب سليم إلى وطننا الذي مسه الضر، وان لا نقابله بالجحود، والتلاعب الذي لا يليق ان يلحق بمصير الأجيال، وبالدفع عنوة إلى التنافر، والتعرض للمسيرة بروح ثأرية، وعدم الدقة في تقدير الموقف، والتدخل يجب أن يكون محسوب النتائج، وان لا يتم القفز عن ضرورات الأمر الواقع.

لقد بني هذا البلد بجهود ابنائه المضحيين، والحفاظ عليه أمانة في أعناق الأجيال، وهو حاضنة للجميع، وتأتي المطالبات السياسية غير العقلانية التي تطال وحدة النسيج الاجتماعي فيه، وتعمد الى العزف على الوتر الحساس من خلال التطلع الى نقل الحكم فيه الى الاغلبية الناشئة على اساس عرقي والتشكيك بنسبة التمثيل السياسي للوحدات الاجتماعية بمثابة خرق للسلم المجتمعي، وتدمير لقاعدة الاستقرار الذهبية، ويفضي إلى توتير الداخل، ويسهم في ضرب الهوية الجامعة، ويجعل البنية الاجتماعية هشة، ويضعف وحدة الرابط الداخلي، وهو يخدم بالضرورة المخططات الدولية بتقديمه وطنا بديلا للفلسطينيين عوضا عن وطنهم المحتل، وهو يؤسس لحالة من القلق في الشارع تكون قابلة للاستغلال من قبل المغرضين.

إن دواعي المسؤولية الوطنية باتت تتطلب أن يتم الوقوف عند حدود العقلانية، وعدم الانجرار خلف الأحلام الصغيرة، والتي قد تتعاظم مع مخططات خارجية تستهدف الأردن منذ عقود، وهو امتحان للعقلاء كي يختاروا الوطن على ما سواه، وان يعمدوا إلى تغليب المصلحة العامة على متكسبات آنية هنا وهناك.

نستطيع أن نتجاوز تحديات المرحلة الصعبة بالتكاتف، والتوافق على متطلبات الاصلاح الواقعية، وإعادة الاعتبار للمؤسسية، والعمل على بناء سياج وطني حول الثوابت باستعادة الثقة، ويظل الاختلاف عند حدود التمثيل، وهي مسألة قابلة للحل زمنيا في إطار الحراك الطبيعي النظيف للوحدات الاجتماعية، عند ذلك تتجاوز سفينة الوطن الأعاصير الخارجية، وتمضي بنا إلى بر الأمان.