مثالان من «ويكيليكس» على الحوار العربي-الأميركي

 



 


يتم اتهام الأردن دائما من قبل الدول والقوى الثورية العربية وتيارات الممانعة والرفض ومقاومة التطبيع بأنه يقوم بتنسيق سياسي وأمني على أعلى مستوى مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد ساعدت التسريبات المختلفة من وثائق ويكيليكس على تعزيز هذا الانطباع خصوصا مع «هرولة» العديد من أفراد النخبة السياسية الأردنية للحديث الواضح والصريح مع أركان السفارة الأميركية. ولكن التحليل العميق لمضمون اللقاءات الرسمية والتي تم توثيقها في البرقيات المنشورة أخيرا، وخاصة تفاصيل لقاءات الوزراء وأعضاء الكونغرس الأميركيين مع الشخصيات السياسية الأردنية في موقع المسؤولية تؤكد على أن الخطاب الأردني الرسمي تجاه القضايا الإقليمية الأساسية في المنطقة هو خطاب ثابت ولا يوجد في اللقاءات الثنائية المغلقة ما يختلف عن المواقف الرسمية المعلنة.

في الشأن الفلسطيني تجمع كافة البرقيات تقريبا على أن الرسالة الأردنية محددة وهي ضرورة تحقيق تقدم سريع في عملية السلام يؤدي إلى إنجاز ملموس على الأرض يمنح المفاوض الفلسطيني المصداقية السياسية التي يحتاجها للاستمرار في درب المفاوضات وكذلك تظهر كافة الوثائق الإنزعاج الأردني من السياسات الإسرائيلية المتعنتة وضرورة ممارسة الولايات المتحدة لدورها في الضغط على إسرائيل لتحقيق المطالب والتوصيات المحددة في خارطة الطريق وغيرها من الاتفاقيات الثنائية. الوثائق ايضا تشير إلى تأكيد كافة المسؤولين الأردنيين على أن السبب الرئيسي للتوتر في المنطقة هو الصراع الفلسطيني والإسرائيلي وأنه مهما شكلت الملفات الأخرى من مصادر قلق (مثل خطط التوسع والتسلح الإيراني) فإن المفتاح الرئيسي للاستقرار في المنطقة هو الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة.

التنسيق السياسي والأمني بين الأردن والولايات المتحدة تاريخي ومثبت وهو موجود تحت الضوء ولا يوجد في الأردن ما نخجل منه في هذا السياق لأن هذا التنسيق يبقى دائما في مصلحة الأردن والحقوق العربية وبدون محاولات للفهلوة أو لعب دور بطولي أو رفع شعارات فارغة. في المقابل نجد في الوثائق المنشورة أخيرا أن عدة لقاءات حدثت بين مسؤولين عرب من الأنظمة الثورية التقدمية الممانعة أو التيارات المعارضة للسياسات الاميركية، ومع أن بعض هذه اللقاءات تضمن توافقا في المواقف المعلنة والسرية فإن بعضها الآخر يثبت وجود انتهازية على أعلى مستوى.

وكمثال على ما سبق، فإن واحدة من أهم الوثائق التي يجري قراءتها تصف لقاء مدير المخابرات السورية علي مملوك مع وفد من وزارة الخارجية الأميركية في 18 شباط 2010 حيث شارك مملوك في اللقاء إلى جانب نائب وزير الخارجية السوري والسفير السوري في واشنطن وذلك بطلب من الرئيس السوري نفسه. مدير المخابرات السورية افتخر في حديثه بوجود خبرة تتجاوز 30 عاما لدى سوريا في مكافحة الأصولية والإرهاب تجعلها في موقع مناسب للتعاون مع الولايات المتحدة بهذا الشأن ولكن ضمن 3 شروط حددها مدير المخابرات السورية.

الشرط الأول هو أن تكون سوريا هي صاحبة القيادة على المستوى الإقليمي في اي جهد تنسيقي أمني مع الولايات المتحدة وأن يكون لها حق اتخاذ القرارات الرئيسية وخاصة فيما يتعلق بالحدود العراقية-السورية. الشرط الثاني كان في ضرورة تحسين العلاقات السياسية وإزالة اسم سوريا من لائحة الدول الداعمة للإرهاب وأن وجود «مظلة سياسية» للتعاون بين سوريا والولايات المتحدة سوف يسهل في تحقيق التعاون الأمني. أما الشرط السوري الثالث فهو وقف العقوبات الاقتصادية وتمكين سوريا من شراء المعدات العسكرية وقطع الغيار للطائرات التي تحتاجها ومن ضمنها شراء طائرة خاصة للرئيس بشار الأسد!

لا يوجد في محضر اللقاء ذكر لفلسطين أو إسرائيل أو المقاومة أو الممانعة بل عملية تفاوض ذكية جدا لتقوية الدور الإقليمي السوري وتجاوز العقبات التي تضعها الإدارة الأميركية مقابل تحسين التعاون الأمني. هذه هي نوعية اللقاءات السرية التي لا يعرف عنها من أدمن على الشعارات، والشكر لويكيليكس التي تكشف بعضا من المستور.

batirw@yahoo.com