أمیركا وإیران وحرب قد تقع

 تصاعدت حدة التوتر بین إیران والولایات المتحدة الأمیركیة، التي أعلنت إرسال حاملة الطائرات «أبراھام لنكولن» إلى الخلیج، لحمایة مصالحھا مما وصفتھ بـ «التھدیدات الإیرانیة»، حیث بدأت القاذفات الأمیركیة «الشبح» من طراز بي 52 الاستراتیجیة والتي أمر بھا البیت الأبیض بالانتشار في الخلیج لمواجھة تھدیدات إیران غیر المحددة بضرب قواعد جویة أمریكیة في المنطقة، وأظھرت الصور التي أصدرھا سلاح الجو الأمیركي قاذفات القنابل من طراز بي 52-إتش وھي تصل إلى قاعدة العدید الجویة في قطر، وقالت مصادر مطلعة إن طائرات وأسلحة جو أخرى تكون قد ھبطت في مكان مجھول، ورغم ھذه الحشود ثمة شكوك حول عزم ترمب خوض حرب ضد إیران، لكنھ قد یذھب إلى قرار الحرب تحت تأثیر .مجموعة من مستشاریھ الأكثر یمینیة وتطرفا وقربا من إسرائیل منذ قدوم إدارة الرئیس الأمیركي ترمب بات الحدیث عن الخطر الإیراني حدثاً یومیاً، وأصبحت التھدیدات لازمة خطابیة لأركان الإدارة الأمیركیة، انسجاما مع الرؤیة الأمیركیة التقلیدیة، التي تدعي أن الجمھویة الإسلامیة الإیرانیة منذ تأسیسھا 1979 ّ تشكل تحدیاً شاملاً لمصالحھا وتھدیداً واسعاً لحلفائھا وشركائھا في الشرق الأوسط، ولم تخل أي وثیقة للأمن القومي الأمیركي منذ سقوط نظام الشاه وصعود دولة ولایة الفقیھ من الحدیث عن الخطر الإیراني واعتبار إیران دولة راعیة للإرھاب، فضلاً عن كونھا دولة مارقة، لكن وثیقة الأمن القومي التي وضعتھا إدارة ترمب ذھبت أبعد من سابقاتھا، فبحسب الوثیقة «على مدار عقود كان الحدیث عن أن الصراع الإسرائیلي الفلسطیني ھو المحور الأساسي الذي منع تحقیق السلام في المنطقة، إلا أن الیوم یتضح أن التطرف الإرھابي الآتي من إیران قادنا لندرك أن إسرائیل لیست مصدرا للنزاع في الشرق الأوسط، وأن دولا أظھرت إمكانیات التعاون المشترك مع إسرائیل لمواجھة التھدیدات الإیرانیة»، فالاستراتیجیة الأمیركیة لفھم طبیعة المخاطر في الشرق الأوسط تشیر إلى أن واشنطن ترى أن ثمة خطرین في المنطقة: الأول ھو التنظیمات الإرھابیة، والثاني ھو إیران، وقد تخلت عن فكرة أن السبب الرئیسي .للأزمات ھو الصراع العربي الإسرائیلي لم تقتصر التھدیدات الأمیركیة لإیران على الخطابات، بل إنھا تسیر في منحى من التصعید یقود إلى الحربـ فقد تدرجت الإجراءات الأمیركیة إلى جملة من العقوبات الاقتصادیة والإجراءات السیاسیة لعزل إیران وفق استراتیجیة تقوم على مبدأ ممارسة «ضغوط قصوى»، تكللت بالانسحاب من الاتفاق النووي في مایو 2018 ،لكن العقوبات التي ارتكزت على العامل الاقتصادي رغم قسوتھا وتأثیراتھا البالغة على الاقتصاد الإیراني، لم تدفع طھران لإعادة التفاوض طباعة مع التعلیقات طباعة حسن أبو ھنیة للتوصل إلى اتفاق جدید وفقا لمعاییر ترمب، التي ترغب بتوسیع الاتفاق لیشمل ملفات عدیدة لا تقتصر على الملف النووي، بل برنامجھا الصاروخي وأذرعھا الخارجیة، وذلك تأكیدا على الخطوط الأساسیة للسیاسة الأمیركیة في الشرق الأوس، والتي تقوم على الالتزام بأمن وحمایة «إسرائیل» وضمان امدادات تدفق «النفط»، ویبدو أن مقاربة ترمب لتحقیق ذلك تتطلب علاقة صراعیة وجودیة مع إیران، كمحدد في بناء التحالفات تمھد لاستدخال إسرائیل في .نسیج الشرق الأوسط في ھذا السیاق عكفت واشنطن منذ تدخلھا في المنطقة في إطار بحثھا عن حل إقلیمي للصراع الفلسطیني الإسرائیلي على حشد جبھة موحدة تضم إسرائیل والقوى العربیة السنیة في وجھ إیران عدو واشنطن اللدود، الأمر الذي دفع بنیامین نتنیاھو إلى تقدیم اقتراح بـتبني «مقاربة إقلیمیة» لإنھاء صراع الشرق الأوسط، حیث أشاد بما وصفھا «فرصة غیر مسبوقة تتمثل في تخلي بعض الدول العربیة عن اعتبار إسرائیل عدوا، بل صارت ترى فیھا حلیفا في مواجھة .«إیران و«داعش»، القوتین التوأمین في الإسلام /المتطرف/ واللتین تھددان الجمیع لا جدال أن ترمب یتماھى مع الرؤیة الإسرائیلیة المتعلقة بإیران والمنطقة، فحسب مقالة الباحث في جامعة ھارفارد، الأكادیمي ستیفن وولت، في مجلة «فورین بولیسي» فإن ترمب یقوم بالخروج من الاتفاقیة بناء على رغبة بوضع إیران داخل (نقطة الجزاء)، ومنعھا من إقامة علاقات طبیعیة مع الغرب، والھدف ھو توحید إسرائیل، الجناح المتطرف من اللوبي الإسرائیلي (إیباك)، ومؤسسة الدفاع عن الدیمقراطیة، والصقور الذین یمثلھم مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزیر الخارجیة مایك بومبیو، وھؤلاء یخافون مع حلفاء أمریكا في المنطقة من الاعتراف یوما ما بإیران، ومنحھا مستوى من التأثیر، فلیست الھیمنة الإقلیمیة ھي التي تریدھا إیران، لكن الاعتراف بأن لھا مصالح إقلیمیة یجب التعامل معھا، وھذا أمر بغیض على الصقور، الذین یریدون الحفاظ على عزلة إیران ونبذھا للأبد»، ویشیر وولت إلى أن «الصقور یرون أن ھناك طریقین لتغییر النظام، الأول من خلال ممارسة الضغط على إیران؛ أملا في حدوث انتفاضة شعبیة تطیح بحكم الملالي. أما الثاني، فھو دفع إیران لاستئناف برامجھا النوویة، وھو ما .«یعطي واشنطن المبرر لشن ھجوم عسكري علیھا تشیر مسارات العلاقة المتوترة بین أمریكا وإیرن عقب تولي ترمب إلى تنامي إمكانیة الصدام والحرب، خدمة لأمن إسرائیل أكثر من خدمتھا للأمن القومي الأمیركي، وعندما زار ترمب المنطقة والتي افتتحھا بزیارة الریاض في 21 مایو 2017 ،ھاجم الرئیس الأمیركي خلال خطابھ أمام قادة عدد من الدول العربیة والإسلامیة النظام الإیراني بشدة، داعیا «كل الدول التي تملك ضمیرا، إلى العمل على عزل إیران» وأكد ترمب أن «إیران تمول الإرھابیین وتنشر الدمار والفوضى في المنطقة»، وعندما توجھ إلى إسرائیل في الیوم التالي قال: إن القلق المتزاید من إیران في المنطقة ّ«قرب» الدول العربیة من إسرائیل، وأضاف ترمب الذي كان یقف إلى جانب الرئیس الإسرائیلي، ریئوفین ریفلین بأنھ «لمس شعوراً جیداً جداً حیال إسرائیل» خلال زیارتھ للسعودیة، وأكد ترمب أن الشعور المشترك بالقلق من إیران .یقرب بین إسرائیل ومحیطھا العربي والخلیجي على وجھ التحدید لقد استثمرت إدارة ترمب بھذا الشعور المشترك بالقلق من إیران، فمنذ فترة وبھدوء تعمل إدارة الرئیس الأمیركي، دونالد ترمب، على إنشاء تحالف أمني من ست دول خلیجیة،وھي السعودیة والإمارت والكویت وقطر وسلطنة عمان والبحرین، إضافة لمصر والأردن، ویعرف ھذا التحالف بشكل غیر رسمي باسم «الناتو العربي»، كما یحمل أیضا .«أسماء مثل «میسا» و«تحالف الشرق الأوسط الاستراتیجي تبدو السیاسات الخلیجیة سائرة خلف إدارة ترمب، وھي على مدى عقود لم تقم باجراءات فعالة في التعامل مع إیران، واستسلمت لأطر اللعبة الطائفیة الباردة، والتي أسفرت عن تمدد إیران وزیادة نفوذھا، وارتھنت لمواضعات اللعبة الأمیركیة، الأمر الذي جعل إیران قوة مھیمنة في عدد من الدول ونافذة في دول أخرى، وحسب معھد ستراتفور فإن العلاقات بین السنّة والشیعة في دول الخلیج كانت سلمیة حتى عقب الثورة الإیرانیة 1979 ،ولم یكن قادة الدول الخلیجیة یرون الشیعة في بلادھم ً تقسیما طائفیًا یھدّد استقرار البلاد.وبالنسبة للدول ذات العدد الكبیر من ّ السكان الشیعة، مثل البحرین والكویت والسعودیة، ومع تراجع مداخیل النفط والدخول في حزمة من الإصلاحات الشاقة، فقد تكون الإصلاحات سببًا في تفاقم التوتّرات بین السنّة والشیعة في ھذه البلاد، الأمر الذي یعطي لإیران الفرصة لكسب نفوذ جدید في المنطقة. والآن، في حین تسعى دول مجلس التعاون الخلیجي للإصلاح، قد تستغل إیران الفرصة لتجدید .روابطھا بالشیعة في المنطقة أحد ركائز فشل السیاسات الخلیجیة في التعامل مع إیران أنھا دفعت مواطنیھا الشیعة إلى إعادة النظر في الروابط الأیدیولوجیة وتعزیز علاقاتھا مع إیران، رغم ّ أن الشیعة في دول الخلیج تاریخیا منحازون إلى معاداة نظریة ولایة الفقیھ، وھم یلتزمون بتعالیم المرجع العراقي «آیة الله علي السیستاني» ً بدلا من تعالیم المرجع الإیراني «آیة الله الخمیني»، بل إن الفرع الزیدي (الحوثیون) من الشیعة في الیمن كان معادیا للشیعة الإثنى العشریة عموما والإیرانیة .خصوصا، وقد وجدوا أنفسھم مؤخرا في حضن إیران بلغت سیاسة الضغوط القصوى الأمیركیة ضد إیران ذروتھا حین أعلن الرئیس الأمیركي دونالد ترمب الثامن من إبریل 2019 في خطوة غیر مسبوقة إدراج «الحرس الثوري الإسلامي» الإیراني على قائمة المنظمات الإرھابیة الأجنبیة الخاصة بوزارة الخارجیة الأمیركیة، في إطار تدشین مرحلة ثانیة من استراتیجیة الضغوط القصوى، وھي خطوة لا سابق لھا في التاریخ الأمیركي والدولي، حین تطبق فیھا واشنطن ھذا التصنیف على مؤسسات حكومیة رسمیة لدولة أخرى، وھي خطوة لم تتجاوز قواعد اللعبة الاستراتیجیة طوال تاریخ الصراع الأمیركي ـ الإیراني على .مدى الأربعین عاما الماضیة منذ قیام الثورة الإسلامیة في إیران عام 1979 خلاصة القول أن الخطوات الأمیركیة قد تدفع باتجاه الحرب مع إیران، لكن إیران ترد بطرائق عدة، فقد غرد حشمت الله فلاحت بیشة وھو رئیس لجنة الأمن القومي والسیاسة الخارجیة في مجلس الشورى الإیراني بتاریخ 24 إبریل الماضي على تویتر قائلا: «المستقبل سیثبت أن مصادر النفط في الإمارات والسعودیة ستكون الأقل استقراراً على مستوى العالم»، وعقب عشرون یوماً، مع وقوع حادثة میناء الفجیرة عاد فلاحت بیشة ووصف الانفجارات بأنھا دلیل على أن «أمن جنوب الخلیج ھش كالزجاج»، وبعد حادثة الفجیرة بیومین تم استھداف منشآت لأرامكو في السعودیة بواسطة طائرات مسیّرة، والذي تبنتھ «أنصار الله» الحوثیة الیمنیة، على خلاف عملیة أرامكو لم تعلن أي جھة .مسؤولیتھا عن عملیة الفجیرة، تلك رسائل بسیطة عن كلف الحرب مع إیران