25 سنة شمسية ... لا تؤهل الشباب لمجلس النواب !

 

تقول المادة 70  من التعديلات الدستورية المقترحة " يشترط في عضو مجلس النواب زيادة على الشروط المعينة في المادة (75)من هذا الدستور أن يكون قد أتم خمساً وعشرين سنة شمسية من عمره.

...

... يبدو ان بعض التعديلات التي اقترحت على الدستور الاردني وتم ٌإقرارها رسميا من قبل مجلس الوزراء واحيلت الى مجلس النواب  قد تم إقتراحها  بشكل إرتجالي دون ادنى حساب لما ستؤول عليه الحاله البرلمانية  والاجتماعية والسياسية عقب اجراء التعديل ان حدث ووصل مجموعة من " الشبيبة " الى قبة المجلس ، وكان على المعنيين في لجنة مراجعة الدستور العودة الى الدراسات وتقييم أوضاع الشباب الاردني وما تعانيه الأغلبية العظمى منهم من فقر وجوع وبطالة والظروف التي تحيط بهم  والتي تحدد إمكانية قيامهم بالدور المناط بهم داخل المجلس ـ، و بالرغم من ان قانون البلديات قد حدد عمر للراغب بالترشح لرئاسة او عضوية المجالس البلدية ب 30 عاما ، فكيف يخفض سن الترشح لعضوية مجلس النواب الى 25 عام وهي مؤسسة سياسية وتشريعية ورقابية  كبيرة  تتطلب خبرة ودراية اعظم من مستوى عضوية  مجلس بلدي ،  إلا إن كنا نسعى لإضعاف مؤسستنا التشريعية حد ان نفاضل عليها مجلس قروي !  وهناك عوامل وأسباب تحول دون تحديد هذا السن وكان على المعنيين الأخذ بها او الاستشارة حتى قبل اقتراحها ، ومن ابرز هذه الملاحظات :   

اولا " الجانب الاجتماعي  "  إن تخفيض سن المرشح من ثلاثين عاما الى خمسة وعشرين عاما وقياسا للأوضاع المالية والاجتماعية التي يعيشها الشباب في الاردن تشير الى ان المستفيد من هذه المادة الدستورية هم فقط اولئك المقتدرين من ابناء الذوات والتجار والطبقات التي حكمت البلاد والتي تسعى للحفاظ على موقعها وحماية مصالحها ، اي ان يستفيد منها الاقلية فقط من الشباب القادرين على تغطية نفقات حملة الانتخابات طوال شهور الإستعداد ليوم الاقتراع والتي تشمل بكل تأكيد تغطية نفقات الدعاية الانتخابية الشامله من بيانات وصور وملصقات وهدايا  وحملات ومهرجانات وولائم ومواصلات وتغطيات إعلامية وغيرها ،  اي إننا نتحدث عن مبلغ مالي لا يقل عن 70 الف دينار في المحافظات الصغيره  ، وما بين  100 – 200 الف دينار  في المحافظات الكبرى ، وقد وصلت الى اكثر من ذلك بكثير في بعض المحافظات ،  فمن هو الشاب الأردني القابع في ثنايا الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة وحديث التخرج من الجامعة والذي ينتمي لهذه الفئة  من لأغلبية المطلقة للشباب الاردني  القادر على تغطية وتوفير كل تلك الالتزامات !   و بالتالي فإننا نتحدث  هنا عن  ابناء طبقة محددة منحهم التعديل تلك الفرصة ممن لا تزيد نسبتهم عن2- 3 %  فقط من مجموع شباب الوطن وحرمان ال 97 % منهم ، ولا أدري كيف يمكن القول ان هذا التعديل جاء لخدمة الشباب الاردني ومنحهم فرصة المشاركة في الحياة السياسية  !!

ثانيا : المال السياسي " واستنادا الى ترشح ابناء الذوات فقط من  القادرين على تغطية النفقات المالية الهائله ، فأنه وبلا شك ستنفق أموال طائله اخرى غير معلنة بهدف شراء  الأصوات  ، لأن ابن الخامسة والعشرين لم يتمكن بعد من بناء شبكة علاقات اجتماعيى واسعة تؤهله لكسب أصوات ، فيلجأ الى المال والهدايا ( شراء الذمم ) للحصول على الأصوات اللازمه لفوزه ، وهذا يعني ان هذا التعديل  الدستوري سيفتح المجال واسعا امام المال السياسي ليحتل موقعا كبيرا في العملية الانتخابية بالرغم من التحذيرات الشكلية التي تتحدث عنها الحكومات بهذا الشأن والعقوبات التي قد يواجهها المرشح  .  ولا يخفى على أحد ان مجموعة لا بأس بها قد استخدمت المال وبصمت وإقرار رسمي بغية الوصول الى البرلمان فظهر المجلس على صورته وادائه الباهت التي يعيشها الأن .، ومن هنا فالتعديل يؤسس لمنهج وثفافة المال السياسي وانتقاله من ظاهرة الى ثقافة يمارسها البعض على غرار ثقافة الفساد التي تعيشها البلاد .وهذا  سيفتح المجال واسعا امام غياب الرموز السياسية صاحبة الخبرة والحنكة السياسية والتشريعيه  التي ستدخل بتنافس شديد مع اصحاب المال السياسي  ليحل مكانها عينات شبابية لم يشتد ساعدها بعد  للعب دورا رقابيا وتشريعيا  وسياسيا عال المهنية ،فخسر الوطن بعض رموزه وقادته ووصل الحال بالمجلس الى ما نرأه اليوم !!

 

ثالثا  " القدرة والكفاية :

يمكن لنا ان نغض الطرف عن هذه التعديل لو ان بلادنا كانت تنعم بتاريخ وإرث ديمقراطي ساهم بإعداد قيادات شبابية على مستويات سياسية وحزبية وفرتها أحزاب مارست العمل بحرية لعقود ، ، لكن احزابنا  وكما يعرف المواطن وبسبب سنوات الحكم العرفي الطويل  لا تتمتع بأي حضور جماهيري او بمدارس حزبية وفكرية عريقه تخرج الكفاءات والقدرات ، فكان الشباب في بلادنا يلاحقوا أمنيا لمجرد خوض تجربة العمل في الأتحادات والمجالس الطلابية ،  ومن هنا فأن تخفيض سن المرشح من ثلاثين عاما الى خمسة وعشرين عاما  لا ينسجم مع واقع الحياة الحزبية والسياسية والمؤسسية الديمقراطية الفتية في البلاد التي تؤهل الشباب للمشاركة بالحياة السياسية  والتي اثقلها تاريخ طويل من الحكم العرفي والملاحقات والإقصاء حالت دون تجذير التجربه الحزبية  وإعداد الشباب لتلك المرحلة ، كما وإن سن المرشح  لمجلس النواب يقترب كما يبدو من سن خريجي الشباب في الجامعات ، والتي يحتاج فيها الشاب في الاردن وكما هو معلوم  الى فترة زمنية تتراوح بين  4-8 سنوات لإيجاد فرصة عمل تؤهله للعيش الكريم أولا  ، وحتى وإن حصل على وظيفه مباشرة بعد تخرجه فأن ثلاثة سنوات من العمل لا تؤهله ليكون  نائبا مشرعا قادرا على أداء دورا رقابيا وتشريعيا وسياسيا في المجلس  ، وقد عايشنا حالات  في عدد من المجالس السابقة والحالية حتى ممن هم  حتى دون سن الاربعين وشاهد الشعب بأم عينه مدى تواضع الاداء العام للأعضاء الشباب  في المجلس والتي أثرت على مخرجات المجلس بشكل عام ، فظهر منهم الباحث عن حماية مصالحه الاقتصادية ومصلحة عائلته ، اوالباحث عن فرصة  ينافق فيها الحكم  للوصول الى غاياته ولو كانت على حساب مصلحة الوطن والشعب .

رابعا : سيكولوجية الشباب في هذا العمر  :

لقد أعتمدت اغلبية دول العالم ذات الانظمه الديمقراطية  العريقة او الفتية منها  على نتائج الدراسات النفسية والإجتماعية السياسية والسياسية النمائية للشباب في اعمار مختلفة ومن بينها  تحديد سن المرشح لتولي مناصب سياسية او إجتماعية او تشريعية ومدى الاستقرار الفكري والعقائدي  والنفسي والاجتماعي والنمائي للشباب في هذا السن  ، وأكدت دراسات تلك الدول على ضرورة ان يكون سن المرشح لأي موقع قيادي مرموق  ( حكومي او برلماني )  مابين ال 30 – 35 سنه ! وهناك من يعتمد سن ال 40 وفي الصين تصل الى الخمسين !  مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما كان ُقدم لتلك الفئه طوال 10 سنوات على الأقل  من برامج التمكين والتدريب والإعداد  العلمي والعملي في مجالات العمل الحزبي والسياسي والقانوني لإحتلال مواقع قيادية لا يمكن ان تبتدئء في ترشحه لمجلس نواب او سلطة تشريعية او مجالس محافظات كبرى ، بل يزج بهم في معتركات نقابية واجتماعية ومجالس محلية وبلدية صغيره  قبل ان يرشح لقوائم انتخابية على مستوى البرلمان اوالحكومة  ، ويتم إجراء التقييم الكامل لمدى أهليته في تعبئة ذاك الموقع طوال عمله في المواقع السابقة والحكم بنجاحه او فشله  خشية من اية مفاجآت قد تحصل ، ومن هنا نلاحظ قوة وحضور وحنكة النائب في تلك الدول مقارنة بحالهم في بلادنا ، لأن مفهوم شبابنا للسلطة واستنادا لتلك الدراسات  التي ذكرناها سابقا مرتبط غالبا بالطموحات الشخصية الفردية  الأنانية  لهذا العمر، غايتها تحقيق رغباته ومصالحه او مصالح عائلته على حساب المصالح العليا للدولة والشعب،  وتظهر عليه ملامح الأهتمام بالمستوى الاقتصادي والمظهر المادي وضعف إدراك أهمية العمل المهني والالتزام ألأخلاقي بما قد يكلف به ،  يصاحبها قلة الخبرة في شؤون الحياة وضآلة التجارب الشخصية في المجال السياسي ، و يميل هنا بسبب ذلك ، إما إلى سرعة تعميم النتائج وشدة الوثوق بالنفس حد النرجسية ورفض قبول الرأي الأخر لحد مواجهة الوقائع العملية  وإنكارها ،  او بالخضوع " الاستبدادي " لمشورة ورأي قوى داخل او خارج المجلس تملك القدرة على توريطه وإقناعه بما تطرح  لم تسعفه الخبرة والدراية من تحكيم تجربته الخاصة   ،  ولهذا ،  فأن من يتجاوز سن الثلاثين كما كان معمولا به في النظام السابق يخفف بل وقد يمحو كثيرا من الأثار السلبية المرافقة لتولي شاب في الخامسة والعشرين لموقع تشريعي هام وخطير وفق تلك النفسية المتأرجحة بين المراهقة المتأخره والنضج الفكري والاستقرار النفسي ، وتلك دراسات تأخذ بها دول عدة من بينها بريطانيا والسويد وكل دول العالم صاحبة الإرث السياسي والحزبي الطويل ، فهل ننحى لبناء برلمان وسلطة تشريعية تتوافق مع التطورات والتحديات التي يواجهها الوطن  وتتطلب وجود مجلس نواب قوي قادر على المساهمة ببناء الوطن واستقراره وإصلاح الاخطاء والممارسات التي اضعفت البلاد ، ام نبقى أسرى إملاءات ورغبات وإجتهادات لا تخدم الوطن نتيجتها النهائية تكرار حال مجلس النواب الحالي وبعض المجالس السابقة !