قانون مكافحة الفساد: حراك ديمقراطي بين التفاؤل والتشاؤم


ما جرى في مجلس الأعيان وانحيازه بالأغلبية إلى إبقاء مادة في قانون مكافحة الفساد مقيدة للحريات الإعلامية يصح أن يوصف بأنه حراك ديمقراطي حقيقي رغم أن النتيجة في النهاية لم تكن مشرقة.
ما جرى يدعو إلى التفاؤل من جهة وإلى التشاؤم من جهة أخرى، وليس هناك غلبة لجهة على أخرى، فنحن ما نزال نقف في وسط الساحة ومنطقة "التشاؤل"، ولكن ما يدعو إلى التشاؤم مقلق وخطير، وما يدعو إلى التفاؤل أن هناك من يدرك حجم المخاطر ويعمل على تلافيها من داخل مجلس الأعيان "مجلس الحكماء" كما يفترض، وأن من عارضوا بقاء المادة هم من أصحاب الخبرة الطويلة رغم أن هذه الخبرة لم تبدل من الأمر شيئاً حتى الآن.
ما يدعونا إلى التشاؤم والقلق أن المادة التي وافق المجلس على إبقائها مقيدة للحريات الاعلامية. ونحن هنا لا ندافع عن الحريات الإعلامية فقط إنما عن الحريات بشكل عام والحرية الإعلامية جزء منها ولا يصح أن نجزئ الحريات إلى إعلامية وثقافية واجتماعية.. إلخ، ومن يمس الجزء يمس الكل. ومركز القلق والتشاؤم هنا أن وزيرين سابقين للإعلام أيدا مشروع المادة ووزيرين حاليين رجحا كفة إبقائها.. وهذا يعني أن التوجه الحكومي ما يزال بعيداً عن نبض الشارع ومطالب الجماهير، وأن من وضع هذه المادة أصلا لا يرى الربيع العربي بعين نافذة.
ما يدعو إلى التشاؤم والقلق أن المادة المذكورة انشغلت بالعقوبات ومنها الحبس والغرامة المالية، وبحجة الإشاعة والإساءة، ما يعني فعلياً الحد من القدرة على محاربة الفساد أو الإحجام عنه على أقل تقدير. وكما قال العين عبدالرؤوف الروابدة "إن غير الفاسد لا يتأثر بما يقال، وإن هذا الحال سيؤدي إلى محاربة الإشاعة وليس إلى محاربة الفساد"، وهذا انحراف عن الخط الاساسي الذي نريده جميعا وهو مكافحة الفساد بشكل فعلي.
ما يدعو الى التفاؤل أن أصواتاً عقلانية علت داخل المجلس تحذر من خطورة إبقاء المادة - كما قال عبدالإله الخطيب - "إننا نوجه رسالة سياسية قاسية وهذا يعني أننا لا نريد مكافحة الفساد".
ما يدعو الى التفاؤل أن القانون سيعاد إلى مجلس النواب، وأغلب الظن أن المجلس سيتمسك برأيه ووجهة نظره، وستكون هناك جلسة مشتركة للأعيان والنواب لمحاولة الوصول إلى حل لمعضلة هذه المادة التي ستضعنا في مواجهة إيجابية أمام العالم الخارجي أو تضعنا في الزاوية السلبية وتشوه صورتنا خصوصاً في هذه الأوقات التي يركز فيها العالم الخارجي على أوضاعنا الداخلية.
آمالنا معقودة على مجلس الأعيان وخاصة على الأعضاء الذين صوتوا لصالح إبقاء المادة، وعملوا للترويج على إبقائها، أن يتراجعوا عن مواقفهم وأن يستفيدوا من تجربة زملائهم الذين عركتهم التجربة وأن لا يقفوا في وجه الحريات بشكل عام، ومنها الحريات الإعلامية. ونود أن نذكرهم بمقولة جلالة القائد بأن حرية الإعلام سقفها السماء.
إننا جميعا في مركب واحد ومصلحة الوطن تهم الإعلامي كما تهم عضو مجلس الأعيان أو عضو مجلس النواب. ومصلحة الوطن تدعو الجميع لأن يروا بأعين نافذة ما يجري حولنا. وأذكر أن التراجع عن هذه المادة يعني أننا نرسل رسالة واضحة إلى العالم الخارجي بأننا سائرون على الدرب الصحيح.
ما نزال في منطقة "التشاؤل"، ونأمل أن يخرج بنا الأعيان الحكماء إلى منطقة التفاؤل الحقيقي، وإلا فإننا سنغرق في ما هو أكثر من التشاؤم.