إلى أصحاب مهنة المتاعب!



هذا الكلام موجه إلى الزملاء الأعزاء الصحافيين والكتاب الذين هم أصحاب أشرف وأخطر مهنة «مهنة المتاعب» فهم يعرفون إنه لا حرية بغير مسؤولية وهم يعرفون أيضاً أن القوانين منذ حمورابي وحتى «الماغناكرتا» البريطانية وحتى الآن قد جاءت لتنظيم المجتمعات ولتحمي الأفراد والجماعات والمجموعات من التطاول ومن سطوة الأسلحة المعنوية التي يملكها البعض وأمضى هذه الأسلحة هو سلاح الكلمة مُقالة كانت أم مكتوبة وإشاعة أو تجنياً لتشويه صورة الآخرين والمس بسمعتهم وبأعراضهم وبقيمهم وإلاّ لكنا لا نزال نعيش في مجتمعات الغاب حيث الفوضى وحيث القوي يصادر حرية الضعيف.

استهدف البعض أحد الأشخاص بالمس بشرف أخته وقد أمضى أخ الأخت «الموهومة» هذه حياته وهو يقسم بالله ورسله وأنبيائه وكتبه وبكل الأولياء الصالحين بأنه وحيد أمه وأبيه وأنه بلا أخ ولا أخت ولا شقيق ولا شقيقه لكن ومع ذلك فقد بقيت هذه الإشاعة تطارده وبقي الناس يلاحقونه بعيونهم وألسنتهم إلى أن توفي وانتقل إلى جوار ربه.

وقبل فترة ,وكما هو معروف, فقد استهدفت عاملة تنظيفات في احد فنادق نيويورك رئيس البنك الدولي دومينيك ستراوس كان المرشح للرئاسة الفرنسية خلفاً للرئيس الحالي نيقولا ساركوزي باتهامه بأنه حاول اغتصابها والاعتداء عليها جنسياً وهكذا ومع أن التحقيقات القضائية والجنائية أثبتت أنه بريء وأن هذه التهمة باطلة لكن هذه البراءة لم تَرُدَّ إليه وظيفته التي خسرها ولم تعِد إليه سمعته التي خسرها ليخوض معركة الانتخابات الرئاسية في بلاده التي كانت كل الاستطلاعات تؤكد أن فوزه فيها كان مضموناً وأنه لا منافس له على الإطلاق لا من داخل حزبه ولا من الأحزاب الأخرى.

تقول المادة (23) من مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد: كل من أشاع أو عزا أو نسب «دون وجه حق» ,أي دون مستمسكات وأدلة, إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار.

ولعل ما هو واضح من نصوص هذه المادة أن المقصود هو أن تتوخى وسائل الإعلام ,مع أنها ليس وحدها المعنية بهذه النصوص, الدقة وأن تحرص على أن تكون معلوماتها صحيحة ومثبتة قبل أن تلصق تهمة الفساد بأي كان وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن قانون العقوبات ,الذي يرى البعض أن فيه ما يغني عن المادة المذكورة, يتحدث عن القدح والذم وليس عن الإساءة للسمعة والمس بالكرامة واغتيال الشخصية.

وتحاشياً لتردد البعض في ضوء ما نصت عليه هذه المادة في الإبلاغ عن أي عملية فساد حقيقية فإن هناك المادة (24) في هذا القانون نفسه التي مما جاء فيها: تتولى الهيئة ,أي هيئة مكافحة الفساد, توفير الحماية اللازمة للمبلغين والشهود والمخبرين في قضايا الفساد وأقاربهم والأشخاص وثيقي الصلة بهم من أي اعتداء أو انتقام أو ترهيب محتمل.

إذن أين هو التضييق على الصحافة والصحافيين ما دام أن المادة لم تأت لا على ذكر الصحافة والصحافيين وأنها تركز على (كل من أشاع أو عزا أو نسب) وهذا قد يكون بخطبة في ساحة عامة أو في مسجد أو في حديث لأحدى الفضائيات وأنها مع ملاحقة الفساد وفضح الفاسدين ولكن بـ»وجه حق» أي بإثباتات ومستمسكات وأدلة.

إن الزملاء الأعزاء الصحافيين والكتاب يعرفون أنها جريمة ما بعدها أن تستهدف أي صحيفة أو وسيلة إعلامية في كل الدول الديموقراطية ,وفي مقدمتها بريطانيا, أي شخص بتهمة غير مثبتة أو إشاعة غير صحيحة فحماية المجتمعات والأفراد من سطوة الإعلام المنفلت من كل عقال مهمة أصحاب هذه المهنة الشريفة قبل غيرهم وبخاصة وأن هؤلاء مستهدفون أيضاً ودائماً وأبداً بالإشاعات الكاذبة وبالاتهامات الباطلة الظالمة بالقبض من السفارات الأجنبية وبتأجير أقلامهم لمن يدفع أكثر ولهذا فإن هذه المادة قد وُضعت لحمايتهم هُمْ أيضاً من الاستهداف الظالم وحماية مجتمعنا من سطوة الإشاعات التي إن لم يُردع أصحابها فإنها ستؤدي حتماً إلى مشاكل كبيرة في مجتمع عشائري وعائلي كمجتمعنا الأردني.