علي السنيد يكتب : النظام السياسي الاردني نظام شعبي
بعض الطروحات السياسية التي روج لها البعض في الداخل الاردني في سياق الربيع العربي، وجاءت في تجاوز بين لحقيقة ان النظام السياسي الاردني نظام شرعي، وشعبي، ولا يقع في أي مقارنة مع نظرائه من انظمة المنطقة التي تنتفض اليوم لتقويضها الشعوب، وتبلورت من خلال رفع سقف الطرح السياسي. هذه الطروحات لا تعبر في جوهرها عن حالة نضج في الحالة الشعبية بقدر ما تؤشر الى ما تعانيه النخب الطامحة من أحلام اليقظة السياسية بدون وجود روافع شعبية حقيقية لها، وهو ما ينتج بالضرورة عن عدم وضوح في الرؤية، وضرورة التدرج في تحقيق مطالب الاصلاح السياسي تبعا لتطور المفاهيم السياسية لدى الانسان نفسه. فهذه الأفكار تقودها عدة جهات لا تملك غالبيتها رصيدا في الشارع تمكنها من انجاز مطالب سياسية عادية ناهيك عن إصلاحات جوهرية تطال آلية عمل السلطات، وقد استبعدت أثناء عملها السياسي حتى البرنامج اليومي للمواطن، وغرقت القوى السياسية غالباً في متابعة الحالة السياسية العربية، ووضعت نفسها في بؤرة هذه الحركة، وكأن الشارع الأردني بإمكانياته المتواضعة في موقع قائد للشوارع العربية، او بوصلة للرأي العام العربي وتم تجاوز حكم الاوزان، وشروط الإقليم الخاصة بالأردن من قبلها.
البعض في هذه القوى السياسية المعزولة حتى عن هموم وقضايا شعبها -الى ما قبل اندلاع ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي قبل عدة اشهر- يمد نظره الى ادوار كبيرة تحتاج الى إمكانيات سياسية والى قاعدة شعبية واسعة والى قيادات مؤهلة لتحقيقها، فمكمن القضية ليس في القدرة على تبني الشعارات، وإنما في إمكانية تحقيقها حتى لا تكون مجرد محاولات لإنتاج ضغوط سياسية تولد مكاسب آنية خاصة بالافراد.
وبغض النظر عن كون الطروحات التي تتداولها بعض القوى السياسية تعبر عن الحاجة الحقيقية للشارع الاردني ام هي احدى القفزات الكبيرة في الهواء فهل تأتي هذه الأفكار في اطار خدمة المشروع الوطني الأردني؟، ام هي تصب في صالح زيادة الضغوط على الأردن لإلزامه بمشاريع الآخرين في سياق تدويل قضايا المنطقة العربية المعمول به حاليا في الغرب، ولجعله طرفاً ضعيفا في مواجهة الضغوط التي تهدف إلى حل جزء من القضايا الإقليمية العالقة على حسابه!!!.
فهل هذا هدف وطني تسعى اليه جماعة او هيئة شعبية تدعي انها ناطقة باسم الشعب، وهل لا تقرأ وجهة الاحداث السياسية، والاحلاف الغربية تتشكل على عجل للتدخل العسكري المباشر في شؤون الدول العربية بحيث تجر لتكون أداة لمشاريع الغير، ام هي التقاطة وتوظيف لضغوط تمارس على الوطن في ظرف لا يملك أي وطني الا ان يكون في خندق وطنه حفاظا على السيادة، وعدم فتح المجال لموطئ قدم اجنبي في بلاده؟؟؟ ومن عجب ان يلحق امين عام احد الاحزاب الدينية في الاردن معركة الاطاحة بالقذافي ببدر، واحد، وكأن الناتو لم يكن الطرف الاهم في هذه المعركة التي دخلتها القوى الغربية لمصالحها الاستعمارية البحت، وليس لنصرة الحقوق العربية التي تنتهكها يوميا في فلسطين منذ ما يربو على القرن تقريبا الى اليوم.
والمشكلة في الأردن ليست في هياكل النظام السياسي ابداً، الذي تميز عن كل انظمة المنطقة فيما انتجه من حقوق وحريات عامة واصبح نظاماً شعبياً، والمزاودة في هذا المجال تكذبها الوقائع، وانما هي اشبه برغوة صابون يفضحها أي اختبار حقيقي في الشارع. فالمعارضة الاردنية الراهنة تعيش بنضالات الآخرين، وتتعاطى مع الاحداث بشكل يبدو وكأنها تفرز لها شعبية خاصة بها تستمدها من احداث الساحات العربية حصراً.
المشكلة في الأردن ليست في الإطار الدستوري الذي يشكل النظام وإنما في اخذ السلطات لأدوارها وتمكنها من إنجاح الأدوار المنوطة بها دستورياً، والعمل على إنتاج وعي سياسي يجعل السلطات المعينة والمنتخبة تعطي أداء سياسياً أفضل، وهذا يرجع إلى تطور الإنسان نفسه، وتدرجه في التطبيق السياسي.
فنحن لدينا سلطة تشريعية ويبقى التساؤل عن شكل الأداء الناتج عن هذه السلطة وفقا للاختيارات الشعبية للممثلين الشعبيين، وسلطة قضائية مرهونة بكفاءة واقتدار القضاة في اخذ دورهم المستقل، والسلطة التنفيذية منوطة بقوة رئيسها والوزراء على العمل، وقد برز تاريخيا رؤساء اقوياء ووزراء شعبيون عن نفس الية عمل النظام السياسي، وهي تحتاج حقيقة لاصلاحات دستورية تعيد تنظيم عملها، والتي هي قيد التنفيذ حاليا برغبة ملكية، وستمر بمراحلها التشريعية المرعية وتظل ضمانة الحفاظ على هوية البلاد السياسية واستقرار السلطات فيها مرهونة بجلالة الملك، ونحن لنا تجربة دستورية محترمة وكيفية عمل السلطات عندما قادتها القيادات الحقيقية في ظل النظام السياسي نفسه.
اما ان يضع حزب او عدة أفراد ينضوون في هيئات مقلدة عن الوضع العربي أنفسهم في موقع القدرة على تغيير آلية عمل السلطات، وهوية البلد السياسية، واجراء تغييرات تمس النسيج الاجتماعي، وهم ليس لديهم رصيد فكري، او تأثير على مستوى الوعي، او حتى تجارب مميزة في حياتهم العادية، او حتى قبول شعبي من أي نوع فهذا لعمري خبط عشواء سياسي، وللخلاص من حالة انتحال صفة تمثيل الشعب سياسيا لا بد من اعادة الحالة الشعبية برمتها الى العملية الانتخابية التي يجب ان يصار الى ضمان نزاهتها بكل السبل لتبيان حجم الاوزان لهذه القوى التي تطفو على السطح السياسي اليوم، ومعرفة مدى حقيقة وجودها ام هي حالة صوتية، وصورة اعلامية مكبرة وذلك بحكم الصناديق.