من الصعب على من ينظر إلى المشهد العربي من خارجه أن يصدق أن هذا الجزء من العالم يعيش في القرن الحادي والعشرين نفسه الذي يعيش فيه باقي الشعوب والأمم.
النزاعات والحروب العبثية تندلع في معظم الجغرافيا العربية بين مكونات الشعب الواحد، إما حروب على السلطة أو أخرى باسم الدين والمذهب، وهي حروب لا يوجد فيها غالب ولا مغلوب، بل هي من أجل "التسلية” التي تساهم فيها جميع قوى الشر في العالم، وفي النهاية سيجلس الفرقاء ليتفقوا على صيغة ما لإنهاء النزاع وعودة المياه إلى مجاريها من جديد، بينما مئات الآلاف من القتلى لن يتذكرهم أحد، ولن ترسم لهم صورة على حائط ما، كما لن نزرع أشجارا بأسمائهم، ففسائل العالم كلها لن تكفي لشلال الدم الذي ما يزال مستمرا منذ أكثر من نصف قرن.
سوف لن يصدق أحد أننا نعيش في العالم نفسه جنبا إلى جنب مع شعوب تحكم نفسها بنفسها وتقرر صالحها العام من دون وصاية من حاكم أو زعيم يرفض التخلي عن كرسيه حتى لو قتل نصف شعبه.
حتى الديمقراطية تم تشويهها ولم تسلم هي الأخرى من "اجتهادات” العرب، فاصبحت "ديكورا” تقام على أساسها الانتخابات المحسومة سلفا بنسب فلكية، أو من أجل استفتاءات توسع صلاحيات الحاكم وتمنحه عمرا إضافيا في الحكم ليستكمل برنامجه "التنموي” المخصص لرفاه شعبه!
وإن حدث وخرجت الشعوب إلى الشارع للمطالبة برحيل الأنظمة الاستبدادية نكتشف أن الجيش هو وحده القادر على الإمساك بزمام الأمور، فهو الدولة العميقة التي ترعرعت وتعاظم أمرها على خبز الشعب الذي أكلته من دون حسيب أو رقيب، ليجوع الشعب في وطنه. كما لا ننسى أن أي تحرك للشعوب في هذا الاتجاه سوف يوصم بختم العمالة، إذ إن العقلية العربية الاستبدادية لا تستطيع أن تصدق أن الشعوب يمكن أن تتجرأ على طلب حريتها وحقها في الحياة الكريمة، لذلك فإن أي تحرك، حتى لو كان مجرد مظاهرة، لا بد أن يكون الأعداء خلفها حسب فهم الأنظمة الاستبدادية.
الشعوب العربية في هذا الزمن العجيب لا تملك خيارات كثيرة، فإما أن تقبل بالاستبداد والفساد وإما أن تموت، وغالبا على يد الجيوش التي ظنوا أنها موجودة لحمايتهم.
كل يوم ازداد قناعة أن العقل العربي مختلف في تكوينه عن عقول الأمم والشعوب الأخرى. هو عقل لا يستطيع التعامل مع الحقائق، كما يصعب عليه هضم التطور والتقدم، لذلك يبقى أسير تصوراته الذاتية حول الشعب والحكم والسلطة. إنه عقل ماضوي يعيش في الأزمنة السحيقة، ومن الصعب عليه التقدم خطوة إلى الإمام!