من قتل عثمان ؟؟

 

kalzboon@yahoo.com

 

لا يوجد حدث في التاريخ الاسلامي يشعرني بالضيق ويملئني بالكأبة  كحادثة مقتل عثمان ولا يثيرني مقال او برنامج اعلامي او خطبة خطيب بقدر ما يؤثر بي ذلك الحدث.

ان حادثة عثمان تدعوا الى الحيرة والحزن والغضب معا. فالحيرة تنبعث من كيفية تسلل بعض الرعاع واللصوص الى مدينة رسول الله تحت جنح الظلام ليرسموا مخططاتهم وينسجوا خيوط الظلام في مدينة النور، يدسون السم بالدسم ليختلط الامر على العامة فينجذبوا اليهم حتى يجد الخاصة انفسهم قلة لا ينفعهم صدقهم ولا يحميهم ايمانهم من كفر الاغلبية.

يزداد اعداد هؤلاء  ليزداد نفوذهم وترتفع سقف مطالبهم : فمن الدعوة للإصلاح وحماية الدين  فكبح فساد ولاة الامصار، الى تكفير الخليفة وخروجه عن نهج الرسول الى الدعوة بتقويمه فإنهاء خلافته واخيرا المطالبة برأسه. انطلقوا  بدعوى الاصلاح والتخلص من الاعوجاج ولما اشتد ساعدهم اخذوا المدينة واهلها رهائن فحكموا وبدلوا وقالوا وفعلوا ما شاء لهم . وتطورت قوتهم ليفرضوا القول والفعل على الاخرين حتى اصبح الخليفة غير قادر على الصلاة في المسجد او الخروج من بيته واخيرا قبضت لحيته وسب واستبيحت داره وقتل وضرب المصحف بين يديه وشيع سرا ورجمت جنازته بالحجارة ودفن سرا خارج البقيع.

وتصاب بالحزن ان هؤلاء استحلوا حرمة صحابي جليل : صحابي تستحي منه الملائكة  يمشي بين الناس بنورين اقتبسها من مصاهرته لخير الخلق، خليفة كان اندى  العالمين بطون راح ، حفر بئر رومة ووهبها للمسلمين، مؤسس البحرية الاسلامية،  تاجر في جانب الله فجهز الجيوش بماله فربح وما خابت تجارته. كيف طاوعتهم القلوب ان تمتد خناجر غدرهم على الجليل الورع الصائم القائم والذي وصل الامر ببلاد المسلمين ان لا احد يقبل الصدقة في عهده.

الامر ايضا يصيبك بالغضب اذ كيف يحدث هذا في مدينة الرسول وفيها صحابته ، الم يبايعوا على السمع والطاعة ونصرة الله ورسوله ونصرة الحق، كيف يحدث وفيهم حفظة القران والمجاهد والمهاجر والانصاري، كيف وفيهم من سار خلف الحبيب وشرب من فيض حكمته حتى ارتوى، كيف يسمح بهدم الدولة الاسلامية بعد ما بذلوا من الدماء والانفس لأجل البناء. لست اصدق ان تستطيع حفنة من اللصوص ان يسلبوا الامن والامان  والدولة والمستقبل على مرأى من أعين الصالحين.

لقد انقسم الصحابة بين مغلوب على امره لا يملك القول ومنهم من استكان لغلبة القوة وبحث عن النجاة ومنهم من اختلط عليه الامر فاصبح في حيرة لا يعلم الزبد مما ينفع الناس والقلة ناصروا الرعاع ومالوا اليهم، فكان ما كان وقتل عثمان  ونادى المنادي بدمه ودار قميصه بين القبائل وضرست صفين والجمل عشرات الالاف من الصحابة وكتبت على الامة الفرقة والشرذمة منذ ذلك اليوم.

يتكرر الالم عندي عندما انظر الى الهم الوطني فالأردن الذي بناه الاجداد بالمستحيل: عصروا الصخر ليشربوا ماءً وطحنوا الصخر لينبت قمحا، الأوائل وما  ادراك ما عانوا وما ذاقوا فقد عشعش الشوك بين راحاتهم ليزرعوا البذرة لتنبت زيتونا وعنبا.

الاجداد والاباء ارتدوا درع الصبر وعضوا على النواجذ من اجل ان يجتازوا بالوطن المحن التي عصفت به ، ما كدوا يتنفسوا الصعداء بعد العاصفة حتى تهبط عاصفة اخرى تزلزل اركان الوطن وترمي للريح اوتاده ولكن التقت عزائمهم بحكمة الهاشميين فصبروا وصابروا ورابطوا وعبروا اللجج الى شاطئ الامان.

لقد سلم الوطن من الاحداث الجسام ولكن من اين تسلل له اللصوص والرعاع ليغتالوا كل الاشياء الجميلة فسرقوا التاريخ الذي كتبه الاجداد وسرقوا حاضر الاجيال ومستقبل الاطفال.

عثمان هو الوطن الذي نهشته مخالب اللصوص ورمته رماح الردة فقتلوا اقتصاده واستثماراته واعدوا انظمة وتعليمات خطت بحبرهم وقتلوا سمعة الوطن  وقتلوا الثقة بين الشعب ومن يمثله وقتلوا  الثقة العالمية بأمنه ومركزة المالي ، قتلوا الامن الاجتماعي فخلخلوا الطبقات وزرعوا الفقر والبطالة  قتلوا حلم الوظيفة والبيت والزوجة والاطفال، قتلوا حلم البناء والازدهار ، قتلوا حلم النمر الماليزي والدشداشة الخليجية.

قتلة عثمان هم لصوص المال وارباب الفساد اكلي اموال العباد الذين استباحوا الوطن فسرقوا ورهنوا وباعوا وحلبوا وجلبوا وعندما يشعر احدهم بريح تعصف بشجرة في اقصى الوطن  يطلق ساقيه يبحث عن قبيلة تحميه او يأوي الى ركن شديد بحثا عن الراحة والامان. ومنهم من انطوى تحت عباءة الحكومات والبطانات بالشراكة تارة وبالمصاهرة تارة اخرى ليلبس ثوب  النبل والاصلاح يدعوا للحكومة بطول العمر ويدعوا للوطن ان يقيض له الشرفاء واهل الضمائر.

اما من ينادي بالقصاص لدم عثمان فهم الصحابة الذين خرجوا في ذيبان والطفيلة والكرك ومعان واربد وعمان، خرجوا ليطالبوا بالقصاص العادل ممن ذبح الوطن على اعتاب نوادي البزنس والقمار، القصاص ممن رهنوا الجنين والرضيع واليافع والهرم ليكون عربون الصداقة وفاتحة الروليت. طلبوا القصاص ممن داسوا على القوانين والاعراف والوطنية، ممن بصقوا فوق تعب  الاجداد وفوق طهر التراب وبدلا من ان يزجوا الى مصائرهم  فمازالوا يعيثوا في حرم الوطن فسادا فلا الصحابة لهم القدرة على القصاص منهم ولا هم يستغفرون الله لكفرهم  ولا ولاة الامر حزموا امرهم.

اما من يمنع القصاص من قتلة عثمان فهم كثر : الحكومات، والنواب، بالإضافة الى القتلة انفسهم. الفرق بين قصة عثمان الاموي وعثمان الاردني انه كان للصحابة رأي في تأخير القصاص في قتلة عثمان الاموي ولكن ما هو مبرر ولاتنا في القصاص من قتلة عثمان الاردني.

قد يقول احدهم ان عثمان لم يقتل ، اقول ربما ولكن حتما سيقتل مادام الصحابة يشاهدون الرعاع يرمونه بسهامهم  وما  دام هنالك من يرفض القصاص لعثمان.