لن نتكلم عن المكانة التي حققتها الدول العربية المركزية على مؤشر حرية الصحافة الذي اعلنته منظمة مراسلين بلا حدود الاسبوع الماضي، فالنتائج تشير بكل وضوح الى استمرار تراكم الخيبة، فما تزال المنطقة العربية البقعة السوداء في حرية الصحافة وتحتل معظم مساحة ذيل القائمة العالمية، نتحدث عن بلد صغير على شواطئ افريقيا يدعى جزر القمر بلد فقير يتكلم معظم سكانه العربية ويعتنقون الاسلام وعانوا من الاستعمار وشهدت بلادهم موجة غير سارة من الانقلابات العسكرية لكنهم اثبتو انهم قادرون على التوبة عن الاستبداد، فبلادهم اليوم تنافس على مكانة لا بأس بها في حرية الصحافة، وفي الحريات العامة، وحققت افضل مؤشرات في حقوق المرأة على مستوى المنطقة العربية في السنوات الخمس الاخيرة.
لعدد من السنوات تواصل حرية الصحافة في العالم التراجع بشكل مثير حتى في بعض الدول الديمقراطية حتى في دول الاتحاد الاوروبي الاكثر حرصا على تقاليد حرية الإعلام؛ مثلا تراجع مؤشر حرية الصحافة في هولندا والنمسا وفي الوقت الذي رصدت فيه منظمة مراسلين بلا حدود 36 حالة قتل تعرض لها صحفيون في العام 2018 اي ان هناك حالة اغتيال لصحفي محترف كل اسبوع فإن حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول شكل صدمة كبيرة وخلف موجة من الخوف بين كل دعاة حرية الصحافة.
التقرير الجديد حذر من تنامي العداء الذي يظهره القادة السياسيون حول العالم نحو الصحفيين ما يعرض الإعلام المهني للخطر بصورة متزايدة، واوضح التقرير أن "المناخ العدائي المتأتي من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب” أدى إلى تراجع ترتيب الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة مراكز ليصل إلى رقم 48 وفق هذا المؤشر. الملفت للنظر بشكل خاص هو التحريض اللفظي المتزايد ضد الصحفيين، وهي ظاهرة عالمية ومعروفة في دول عديدة، ولكنها ازدادت بشكل خاص في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
في العالم العربي استطاعت تونس أن تواصل تقدمها في حرية الصحافة، فقد حققت هذا العام قفزة كبيرة حيت تقدمت بخمسة وعشرين مركزاً لتحتل المركز الـ 72، وتقدمت الأردن مركزين، معظم الدول العربية شهدت تراجعا او حافظت على مكانتها المتأخرة منذ سنوات طويلة.
يزداد الخوف في اوساط الصحفيين العرب اكثر من غيرهم، ويجعلهم في غربة حقيقية مع مهنتهم وضميرهم المهني من جهة وبين مجتمعاتهم التي هي احوج ما تكون الى هذه المهنة من جهة اخرى، هذا الخوف يتحول الى ذعر قاهر يحرم المجتمعات من المساءلة وحماية الحقوق العامة، الخوف من الانتقام يجعل معظم الصحفيين المهنيين يفرضون رقابة ذاتية شديدة على أنفسهم عند تغطية مواضيع مثل الفساد أو المؤسسات الامنية أو الأديان أو حقوق الانسان، بينما تنتشر في العالم العربي اكثر من غيره ظاهرة تشويه الصحافة والصحفيين المهنيين لصالح موجات من الدخلاء على المهنة والذين يعملون على ما سمي بـالاغتيال المعنوي للاشخاص، من خلال توزيع الاتهامات بالفساد والخيانة والتآمر في الاغلب بدون اي ادلة ما يجعل المعركة الفعلية في مواجهة الفساد والفاسدين مشوهة وغامضة ومعقدة ويصاحبها الريبة والشك. بل ما يجعل المجتمعات في حالة فوضى، ويوفر للفاسدين ملاذات آمنة للهروب والافلات من العقاب ؛ ثمة خوف حقيقي على الصحافة المهنية النظيفة، وخلف هذا الخوف ذعر قديم يتجدد من الصحافة الحرة المسؤولة.