فاطمة الصمادي تكتب: عجلون ..السفير الأمريكي و (ويكي ليكس)

عجلون غائبة عن أجندات مسؤولينا, حقيقة مرة لا يمكن لهم نفيها, لكن عجلون التي يعاني أهلها الأمرين حتى في الحصول على المياه, و لا" تنعم" به إلا مرة كل شهر تقريبا, تحضر في مشاريع "بلاك و وتر " بغطاء حكومي , وتحضر أيضا في أجندة السفير الأمريكي الذي غادر الأردن , ستيفن بيكروفت , وتحضر في وثائق "ويكي ليكس" الشهيرة , ففي الوثيقة التي تحمل التصنيف (10AMMAN276) , و جاءت "سرية" و أطلقها الموقع قبل أيام, نجد "تشريحا" لقضية الإصلاح في الأردن و مدى حاجة منطقة عجلون إليها, من خلال اجتماعات سرية عقدها بيكروفت من ضمنها اجتماع مع حاكم محلي شاب هو ممدوح الزغول.

اللافت في القصة حجم الصراحة التي تحدث بها الزغول للسفير الأمريكي , و هي صراحة قد لا يمارسها رئيس البلدية الشاب مع المسؤولين الأردنيين , ربما لأنه يشعر أنها تذهب أدراج الرياح , يقول الزغول أو تقول الوثيقة :أن الإصلاحات الوطنية باتت أمرا لازما لوقف تنامي السخط في بلدته, و أن المشاريع العملاقة التي أريد لها أن تكون مذهلة قد فشلت و ثبتت عدم كفاءتها,لأنها صممت من قبل البيروقراطيين في عمان من دون وجود مدخلات محلية. أما الإصلاحات السياسية فهي لا تقوم فقط على إجراء تغييرات في قانون الانتخابات, و لن يشعر المواطن بجدوى القانون قبل أن يرى حكومة تعمل بالشكل الصحيح , و بدون ذلك سيستمر الناس بالتصويت عشائريا لمرشحين تصفهم الوثيقة بأنهم "مزودو خدمات".

تحدد الوثيقة ثلاث مسائل, يجب أن يحدث فيها تغيير لتحقيق الإصلاح :

- تطبيق العدالة على قدم المساواة. فمواطنو عجلون يشهدون تأثير "الوساطة"(أو الاتصالات) للإفلات من العقاب. و لا يحملون قناعة بأن الحكومة ستعاقب المتجاوزين, و لذلك يلجأون إلى العشائر لتحقيق العدالة, وهو ما يقود إلى صراع بين الزعماء العشائريين المتنافسين على الزعامة.

- يجب التصدي بقوة للفساد لاستعادة الثقة و الشعور بـ الـ "عدالة" ,فالمواطن يريد أن يرى الموظفين يقومون بأداء واجباتهم من دون أن تدفع لهم الرشاوى .

- المساواة في الفرص: هناك اعتقاد متنام في أوساط الشباب في عجلون بأن التفاني والعمل الشاق لا أهمية لهما مقارنة بـ "الوساطة". "إذا لا يمكن للمرء الحصول على وظيفة, على أساس المؤهلات.

ممدوح الزغول بدا نموذجا "مفرحا" للسفير الأمريكي, فهو بدا "ناقدا فظا" مقارنة برؤساء البلديات الآخرين , لكنه لم يتجاوز الخط و يوجه نقدا صريحا للنظام. لم ينس السفير أن يضمن وثيقته التغيير الجذري الذي حدث في نظرة الزغول إلى أمريكا , وإعجاب رئيس البلدية الشاب بالنموذج الأمريكي و الديمقراطية الأمريكية, التي "تعيبها الصحافة العربية باستمرار" , أما هذا الإعجاب فقد تكون عقب المشاركة في مؤتمر عالمي شارك فيه اسرائيليون , "علموا" رئيس البلدية الأردني كيفية التفريق بين الإسرائيليين كأفراد, وبين تصرفات حكومتهم.

كثير هو الذي تقوله وثيقة السفير الأمريكي, لكن أهمه هو سيل الصراحة و المكاشفة الذي "نتحلى" به عند مقابلة شخصية مثل بيكروفت, و كأن لها سحرا لا يقاوم يحل عقدة اللسان و يطلقه , لكنها صراحة تغيب في إطار حواراتنا الداخلية ونقدنا الوطني! .