دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه ليائه
ما يجري منذ ثمانينيات القرن الماضي هو تهميش للواقع الفلسطيني خصوصاً والواقع العربي عموماً ، فبعد امتلاك العرب لنفطهم في سبعينيات القرن الماضي من خلال تأميم شركات النفط التي بادر بها العراق في عام 1973 وتمكنهم من إلحاق هزيمة عسكرية بالكيان الصهيوني جرى الالتفاف عليها باصطياد الحوت المصري للحظيرة الأمريكية لصالح الكيان الذي يتهدد أمة العرب جمعاء.. حيث سعت الإدارة الأمريكية لعرقلة حركة التطور والنمو في بلاد العرب من خلال افتعال أحداث في المنطقة بين الأشقاء ومع دول الجوار العربي واختلاق هزات في كل الدول العربية لامتصاص مدخرات العرب واختلاسها كما حصل عند انهيار البورصات الأمريكية ، وتمكين الكيان الصهيوني من لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والسعي للالتفاف على الانتفاضة الفلسطينية الأولى بمشاريع تدخل في نفق تصفية هذه القضية من خلال الاعتراف الفلسطيني بالكيان الغاصب بلا مقابل سوى بثمن بخس وموقف هش بالقبول التقاء وفد أو وفود فلسطينية بوفود صهيونية برعاية عربية غربية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لامتصاص جذوة الغضب الفلسطيني وقضم أرضه قطعة قطعة والتركيز فيها على الاستيلاء على القدس وإخراجها من دائرة التفاوض وكذلك الضفة الغربية المحتلة التي أصبحت في الأخيرة منها إدارة مدنية فلسطينية تسير الشؤون الاحتياجية للفلسطينيين دون الأمنية تتبع إدارة مدنية صهيونية لأنه وفق أوسلو تبقى الهيمنة يهودياً براً وبحراً وجواً وحدودياً فلم تخرج تفاهمات أوسلو عن روابط القرى ، سوى أن العدو كان يحاول استرضاء رجال الروابط كعملاء له وهو يحاول إحراج رجالات أوسلو الذين بلعوا السكين ولن يستطيعوا التخلص منها لتنفيذ مآرب الاحتلال بالمجان بعد أن أصبح التفاوض درب التحرير والاحتجاجات السلمية التي يذبح فيها الفلسطينيون ذبح النعاج درب التعبير والمقاومة ، حتى ان المستوطن بات يعربد ويصول ويجول في الضفة الغربية بحرية مطلقة لأنه يستشعر بالأمان أكثر من أنه لو كان يتواجد في تل أبيب أو يافا أو حيفا أو ناتانيا وغيرها من التجمعات الصهيونية .
فالمساحة التي تشغلها السلطة الفلسطنية لا تتعدى الـ40% من المساحة الكلية للضفة الغربية أو إن صح القول الجزء الشرقي من فلسطين حتى نهر الأردن ، هذا إذا ما افترضنا أن أجزاء من محافظة القدس سيجرى ضمها للضفة الغربية بعد أن تم ضم المدينة بمقدساتها ترامبياً للكيان الغاصب.
إذن صفقة القرن ابتدأت منذ الخروج الفلسطيني من بيروت عام 1982 إن لم يكن منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية التي اعتمدت حكم ذاتي للفلسطينيين وما أعقبها من اعتراف فلسطيني بالكيان الغاصب عام 1988 ومن ثم أوسلو وما أطلق عليها مبادرة السلام العربية التي جعلت العدو الصهيوني يتنفس الصعداء لأن ذلك فتح لها الباب على مصراعيه لاختراق جدار العزل العربي لها.
والآن وبعد أن اكتملت الصورة في ظل عجز أو تعاجزعربي ،أصبح ترامب يعلن بالفم المليان ما يطلق عليها صفقة الآن منجزة وأن مسألة الإعلان عنها هي مسألة وقت لا أكثر ويتوقع أن تكون هديته للكيان الغاصب في ذكرى النكبة الفلسطينية والإعلان عن قيام الدولة الصهيونية أو في ذكرى النكسة وكلا المناسبتين فيهما هزيمة للعرب ونصر للصهيونية .
** ملامح الصفقة المعلن عنها وفق التوقعات مآلها الفشل :
فما كشفت عنه وسائل الإعلام تنبئ بأن صفقة القرن تعطي الفاسطينيين منطقتي "أ" و"ب" من الضفة الغربية وأجزاء من المنطقة "ج" فقط وعاصمة قرب القدس وليس فيها وفق الخطوط العريضة التي تسربت وفق مصادر موثوقة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
والخطة تتلخص في تبادل كبير للأراضي تعترف بموجبه الدول العربية بالدولة العبرية بمقابل اعتراف الدولة العبرية بفلسطين، وهذا يعتمد العناصر التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2009، وما اعتمدته مبادرة السلام العربية عام 2002.
حيث ستشرف هيئة دولية على إدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية ودولة اليهود تحكم المنطقة المقدسة في القدس بما فيها البلدة القديمة والغربية منها.
وفي ذات السياق تتضمن الصفقة وفق التسريبات تثبيت السكان اليهود في تجمعاتهم الكبيرة في الضفة الغربية بمعنى آخر إضفاء الشرعية على المستوطنات الكبرى والاستراتتيجية ، وفتح ممر بري يربط الضفة الغربية بقطاع غزة ، حيث تنضم غزة إلى فلسطين في حال تمكنت السلطة الفلسطينية من بسط نفوذها عليها ، يضاف لها ضم الأغوار وشريط نهر الأردن ليكون حداً فاصلاً بين شرقيه وغربيه . ما يميز الصفقة أنها تعتمد الحل الاقتصادي لا الحل السياسي بالنسبة للفلسطينيين ودول الطوق العربية حيث كشف النقاب عن تنظيم واشنطن لحزمة مساعدات اقتصادية ضخمة ما بين الـ 25 و40 مليار دولار للسلطة على مدى سنوات، أو حوالي 25 الف دولار لكل فلسطيني مقيم في الضفة الغربية ودول الطوق العربي التي مطلوب منها استيعاب الفلسطينيين لديها ، مع إمكانية منح الفلسطينيين للوصول المؤقت لبعض المنافذ البحرية والمطارات الصهيونية لحين قيام الصناديق الأجنبية ببناء منشآت تابعة للسلطة الفلسطينية.
بمقابل قبول الفلسطينيين بتكبيلهم في قيود منها استمرار السيطرة العسكرية الصهيونية على حدود فلسطين ومجالها الجوي والبحري ووادي الأردن وقبول اعتراف الحكومة الأمريكية بالبلدات اليهودية الأكبر التي تشغل مساحات شاسعة من مساحة الضفة المحتلة.
* بيني غانتس رجل المرحلة القادم :
نتنياهو بفوزه غير المريح تركه تحت رحمة أقدار الإدارتين الأمريكية والبديل القادم من اليمين الصهيوني المتطرف كونه جنرال يملك خبرة عسكرية وقدرة سياسية ، حزبه أبيض أزرق حصل على الترتيب الثاني في الانتخابات الصهيونية وبفارق صوت واحد عن الليكود في بادرة أمريكية نحو إيجاد البديل الذي يسعى لتحقيق مآرب الصهيونية وفق تطلعات المسيحية الصهيونية اليمينة المتطرفة والتي يمثلها الحزب الجمهوري الأمريكي الذي يقوده الآن ترامب وفريقه المتخصص بالشؤون الاقتصادية والسياسية العالمية . فخطة السلام المزمع طرحها من قبل جاريد كوشنر ، مستشار ترامب وزوج ابنته إيفانكا، أصبح وشيكاً الإعلان عنه والمتوقعأن يكون ما بين الخامس عشر من أيار النكبة أو الخامس من حزيران النكسة ، بعد فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات بفارق بسيط عن بيني غانتس. ومع أن هناك دول عربية تميل لتكوين علاقة ودية مع نتنياهو والكيان الغاصب والتعاون بصمت وبشكل علني بشتى السبل إلا أن الذهاب قدما أكثر من ذلك يبدو صعباً وبعيد المنال امام ما يكشف عنه ترامب من مفاجآت في جعبته تزيد من الأمور تعقيداً وصعوبة في هذا الاتجاه خاصة وأن ترامب يسير بتحدي الفلسطينيين والعرب بنفس نسق الحكومات الصهيونية المتعاقبة التي تعاملت وما زالت تتعامل مع السلطة الفلسطينية وقيادتها منذ أوسلو بمزيد من الاستهتار والتجاهل والازدراء وتضييق الخناق وإنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية والتي أقرتها شرائع السماء أولاً ومن ثم الشرائع والقوانين الدولية وهيئة الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الانسان والعهدين الدوليين روما ولاهاي وما صدر عن محكمتي العدل والجنائية الدوليتين .. حيث أنه ليس من السهل على العرب تبني خطة ترامب بصورة عامة لما تحمله من إهانة والقبول بالهزيمة التامة ...حيث أن إدارة ترامب ما تعرضه على الفلسطينيين ليس أكثر من حكم ذاتي محدود في مناطق بالضفة الغربية لا يمكن القبول بها حتى من عملاء الاحتلال . فإجراءات ترامب والبيت الأبيض ودهاقنة السياسة في واشنطن بالنسبة لصفقة القرن الأحادية الجانب مثيرة للسخرية وترفع من درجات الإحراج والمشاكل لحلفائها من العرب وهي بذلك تسير على ذات النهج البريطاني في ازدراء العرب الذي كانوا سبب نصرها في الحرب العالمية الاولى كافأتهم بتقسيم بلدانهم ونقض عهودها معهم من أجل إنشاء وطن في فلسطين العربية لليهود . فصفقة القرن المنتظرة لا تعدو كونها تنمية اقتصادية للأراضي المحتلة يصب ازدهارها المادي في نهاية المطاف لصالح الرخاء الاقتصادي للكيان العبري ، حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة، وبمزيد من الضمانات لأمن اليهود. ولإفشالها لا بد من موقف فلسطيني موحد وحازم أولاً باتخاذ خطوات عملية مهما كانت ونأمل من الحكومة الفلسطينية الجددة أن تأخذذ في حسبانها الوقوف بحزم أمام هذه الصفقة الصفعة بتوحيد الجسد الفلسسطيني بكل مكوناته ليصبح كالجسد الواحد لا تنال منه المحاولات الصهيو يورو أمريكية لشطب وجوده فإن ظلت الفرقة هي ما تعبث بنا فالكارثة ستحل بنا شئنا أم أبينا فالوقوف في وجه العاصفة دون تردد برفض الانقسام وإلغاء التنسيق الأمني والاعتراف بالكيان الغاصب مهما سيترتب على ذلك من صعاب والعودة للحضن الشعبي الذي لطالما تحمل الكثير كلما ضاقت الحلقات إلى جانب الدعم العربي والقوى الخيرة في العالم بذلك ستسقط وصاحبها ومن يسير خلفه . فعربياً الوقوف بحزم أمام الصفقة من خلال دعم صمود الفلسطينيين مادياً وإعلامياً واقتصادياً ودولياً لإسقاطها هو انتصارلفلسطين وأهل المنطقة جميعاً كونها هادفة إلى إذابة ما تبقى من حقوق الفلسطينين وتحميل وزرها للعرب... وبالتأكيد لا تعتمد حل الدولتين كأساس لها كما يعلن إعلامياً.حيث ستبقى تفاصيل الصفقة محاطة بسرية تامة لحين الإعلان عنها فسكتشف الأيام ما تخفيه إلإدارة الأمريكية من شرور ضد فلسطين وجوارها وجوار جوار جوار جوارها ، فالصفقة على الأغلب باتت جاهزة وهي كما ذكرنا سابقاً تتمحور حول هيمنة الدولة اليهودية على مفاصل منطقتنا وليس فلسطين فقط فهي ستسعىى لتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين على حساب استقرارهم في أرضهم ، وعلى ذلك ستواجه الخطة الرفض فلسطينياً وعربياً وحتى نتنياهو وفريقه الداعم له مما سيفسح المجال لغانتس ليقود اليمين الداعم لصالح خطة ترامب في تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وإذابة الحقوق الفلسطينية وتفليش المنطقة وتفليسها.