ماهر أبو طير يكتب : ملف الجنوب على مائدة الملك
كنا ثمانية كتاب صحفيين واربعة رؤساء تحرير على مائدة افطار الملك التي حضرتها الملكة،وذلك يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان،والمكان في مكاتب الحمر.
دخل الملك والملكة قبل موعد الافطار بثلث ساعة،وكنا حلقة،نتحدث مع الملك ببساطة شديدة،ودون تعقيدات رسمية،ولم يبقَ موضوع الا وأثير،خلال الكلام قبيل الافطار،حتى جاء موعد الاذان والصلاة.
على مائدة الافطار الذي استغرق ساعتين،لم نترك موضوعا داخليا الا وتحدثنا به،والسقف كان مرتفعا جداً والاسرار لاتعد ولاتحصى،وتبقى مكتومة،احتراماً لعهد قطعناه،فيما حاز شأن العرب حصته من كلامنا.
على عكس ما اثاره البعض،فلم ينافق اغلبنا،على حساب الناس،بل اغلبنا دافع عن قضايا الناس وهمومهم،والملك ذاته كان متفهماً لكل القضايا المطروحة،ولم يكن اغلبنا ساكتاً،اذ تم البوح بهموم الناس.
من ابرز الملفات التي اثيرت والتي تحدثت بها وغيري ايضاً من الزملاء،ملف مناطق الجنوب،والحرمان الذي تعانيه،ولماذا يتم اهمال هذه المناطق،ولماذا تغرق هذه المناطق في التهميش،والتغييب؟!.
اقترحت شخصياً ان يتم توزيع اراضي الدولة على الناس،وبالذات العاملين والمتقاعدين،وفي منطقة ضربتها مثلا وهي معان والبادية الجنوبية،قلت ان منح كل مواطن دونماً من الارض،وجعله يدفع مبلغاً رمزياً لايتجاوز الخمسمائة دينار،مقابل فتح الشوارع وايصال الكهرباء،كفيل بإعمار هذه المناطق،ودب الحيوية في كل قطاعات البلد،جراء البناء.
هذه ميزة اجتماعية للناس،اذ تقول الحكومات ان لا مال لديها،وبالامكان تعويض ذلك بمنح الناس اراضي في كل مكان،وحتى عمان المغلقة يمكن مدها حتى حدود القطرانة،وجسر الكرك،اذا اردنا التخفيف عن اهلنا،واذا اردنا ايضاً سد الفراغ في وجه الذئب المتربص بجنوبنا عبر وادي عربة.
غيري من الزملاء تحدث ايضاً عن الجنوب،ومايعانيه الناس،اذ اننا اذا تجاوزنا جسر المطار ندخل عالماً اخر،وتلك المدن المدفونة على ميمنة الطريق الصحراوي بحاجة الى انعاش سياسي واجتماعي واقتصادي،وكل المشاريع التي اقيمت لم تقلب حياة الناس كما كان متوقعاً.
لا الحكومات عملت على انعاش الجنوب،والمال الخاص،لاعلاقة له بالجنوب،على الرغم من ان كل موارد الاردن من ماء وبوتاس وفوسفات وصخر زيتي ونحاس وسياحة وبحر واثار،وغير ذلك في الجنوب.
لم تكن القصة جهوية،اذ اثير موضوع عجلون والاغوار ومناطق اخرى،مهملة ومتروكة لطرود الخير،بدلا من الانماء،والملك سأل كثيرا عن تفاصيل معينة بخصوص الجنوب،وكان السؤال الذي يتردد عن سر الاشتباك المعنوي بين الجنوب والدولة.
اذا كنا نتحدث عن وطن واحد غير قابل للقسمة على اثنين او ثلاثة،فعلى حكوماتنا ان تجلس اليوم،وتناقش بصراحة وضع الناس،،لان الحكومات تسببت في غضب الناس،ولم نر جهداً فاعلا وملموساً،من اجل حل القضايا العالقة.
ليس اطيب من الناس اذا شعروا انهم شركاء في الفقر،لكنهم يرون اليوم،انهم فرادى في الهم والغم،فيما غيرهم يزدهر،وينمو على حساب فقرهم،ولهذا من الطبيعي ان يكون الاحساس بالفساد مؤكداً،وليس مجرد انطباع عابر.
اذ تسمع لحوار الملك تعرف انه مهتم جداً بملف الجنوب،فوق حديثه في قضايا اخرى داخلية،ولعل السؤال الذي كان مطروحاً بصوت مرتفع ايضاً لماذا تستمر المسيرات والحراكات في البلد كل جمعة،مادام الاصلاح السياسي مستمراً؟!.
والجواب كان:لابد من حزمة اقتصادية لاصلاح اوضاع الناس،لان اغلب شعبنا لن يتعشى على قانون الانتخاب،ولن يدفع رسوم ابنه في الجامعة،بنسخة من قانون الاحزاب،واذا لم يرافق الاصلاح السياسي حزمة انعاش اقتصادي،فسنكون قد ارضينا النخبة،وتغافلنا عن اغلب الناس.
للجنوب سره الذي لايغيب،وله ايضاً مريدوه الذين يبوحون بهواه على مائدة الملك،قبيل ساعات من ليلة القدر.