صفقة القرن الموعودة من قِبل ترامب ، التي تم تأجيل الإعلان عنها مراراً ، وآخر سبب كان انتظار الانتخابات الإسرائيلية ، قد تولد ميتة إن رأت النور. وبالرغم من أن التفاصيل النهائية غير معروفة بعد ، وبالرغم من التسريبات العديدة حولها ، إلا أنها بدأت تثير الرعب لدى أصدقاء الولايات المتحدة، وأصبح ينظر إليها وكأنها كابوس سوف يحل على الناس في أحد الأيام.
لقد تنامت المعارضة لصفقة القرن قبل أن يراها الناس ، وذلك لأسباب رئيسية عديدة ، أولها: أن مهندسي الصفقة مجموعة صغيرة مرتبطة بالرئيس، لم تأتِ من صلب المؤسسات الأميركية كوزارة الخارجية أو البيت الأبيض ، وهي مجموعة لا تخفي انحيازها لإسرائيل ، لا بل لنتنياهو المتشدد تحديداً ، واليمين الإسرائيلي عموماً.
ثانياً: الإجراءات الأحادية التي اتخذها ترامب قبل الإعلان عن الصفقة ، التي تؤشر الى قضايا الحل النهائي ، وبخاصة نقل السفارة الأميركية للقدس ، والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، التي تعكس انحيازاً مبكراً ضد الفلسطينيين، لا سيما وأن القدس العربية ، هي أرض محتلة ، ما يؤثر في الحل النهائي للقضية الفلسطينية ، ويؤدي إلى تضييق الخيارات أمام السلطة الفلسطينية باتجاه أي حل يلبي أدنى طموحات الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: أن الخطة تشكل تراجعاً أوخروجاً على القانون الدولي والاتفاقيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي تستند كلها الى مبدأ حل الدولتين ، وما رشح عن خطة ترامب يبدو أنه لا يشمل ذلك. هذه النقطة تحديداً تشكل تحولاً كبيراً من الصعب قبوله من قبل أطراف دولية وأميركية، وبالتحديد عربية وفلسطينية.
رابعاً: إن التخوف من الصفقة ، هو أن يتم فرضها على الدول والأطراف المعنية وبدون مفاوضات ، وعليه ، تصبح احتمالية معارضتها أعلى ، وذلك بسبب عدم المقدرة على إحداث تغيير بها .
نتائج الانتخابات الإسرائيلية ، والتوجه لتشكيل حكومة يمينية بقيادة نتنياهو ، ومشاركة اليمين المتطرف ، زادت من منسوب القلق والمخاوف ؛ لأن هذا التحالف يرفض فكرة حل الدولتين ، لا بل هناك تخوف من البدء بعملية ضم أجزاء من الضفة الغربية أو كامل الضفة الغربية.
فوز نتنياهو ومخططاته بات يثير قلقاً لدى يهود أميركا ، وبعض أعضاء الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ، وفي أوروبا أيضاً.
وما يثير الاهتمام بالمعارضة لخطة نتنياهو ، هو المعارضة اليهودية داخل الولايات المتحدة لحل سياسي لا يقوم على مبدأ حل الدولتين. ففي الأسبوع الماضي خاطبت أكثر من عشر مؤسسات دينية ومدنية يهودية، الحكومة الأميركية – ترامب – وعبرت عن احتجاجها ورفضها لضم إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية ، معبرة عن رفضها لأي حل لا يقوم على أساس حل الدولتين. قد يكون السبب الرئيس لهذا الموقف هو التمسك بحقوق الفلسطينيين ( مع انه وارد لدى البعض) ، ولكن أيضاً لاعتقادها بأن ذلك يؤثر سلباً في مصلحة إسرائيل لمخالفتها القانون الدولي.
كذلك، فقد أبدى أعضاء من الحزب الديمقراطي معارضتهم لخطة ترامب رافضين التخلي عن مبدأ حل الدولتين. إضافةً الى ذلك ، فمن المتوقع أن تأخذ أوروبا موقفاً رافضاً للتخلي عن مبدأ حل الدولتين في الفترة المقبلة. طبعاً الغائب عن المشهد هي الدول العربية التي كان من المفروض أن تبلور موقفاً عربياً موحداً حيال القضايا التي تطرحها الخطة، وتطوير مبادرة عربية وتقديم رؤية عربية نحو الصفقة، لا بل إنه توجد أطراف ربما تكون موافقة على الصفقة أو أنها ساهمت في بعض بنودها.
إن تنامي المعارضة للصفقة قبل الإعلان عنها تطور مهم وإيجابي ، ومن المتوقع في المرحلة المقبلة أن تشهد زيادة لأطراف المعارضة للصفقة التي ستضع أعباء كبيرة على أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، الذين عليهم باستثمار هذه المعارضة العالمية للصفقة ، وإعادة التوازن لعملية سلمية لتحقيق طموحات الشعبين الفلسطيني والعربي.