في الليلة الظلماء يُفتقد البدر يا هزاع
في ذكرى هزاع المجالي...في الليلة الظلماء يُفتقد البدر
كنت أتساءل من قبل لماذا يُكثر الأردنيون من ذكر اسمي هزاع المجالي ووصفي التل كلما ضاقت بهم السبل، وادلهمّت بهم الخطوب، ولعل قراءة مقارنة بسيطة لسيرة هاتين الشخصيتين تجعلنا نلاحظ الفرق بينهما وبين أسماء أخرى كثيرة، لقد مرت قبل أيام ذكرى استشهاد أحدهما هو هزاع المجالي إحدى قامات الأردن السامقة، ورجالاته الخالدة؛ ومن حقّه علينا أن نوفيه ما يستحقّ منّا جزاء ما قدمّه لثرى الأردن الطهور.
لن أكتب عن هزاع التاريخ، ولا عن هزاع الرجل، لكني سأكتب عن هزاع المسؤول الذي لم يكن فاسدا في هذا الزمن الذي صار الفساد فيه حديث الناس، وقد أوصلهم إلى حالة من الإحباط، والفوضى، بل القهر في كثير من الأحيان، فنحن في هذا الزمان الرديء نتذكّر الأردنيين الأوفياء لترابة وإنسانه، إذ لم نعد نسمع عن مسؤول -سوى قلة منهم- إلا فاسد أو متغوّل على الوطن، وقوت المواطن، فالرجال بالرجال يذكرون، وعلى بعض يقاسون، وبهم يقارنون.
فمثل هزاع من الرجال يبقى رمزا خالدا في ذاكرة الأردنيين، أما من سرق ونهب، فيذهب هو وأمواله وألقابه إلى زاوية ضيقة، فإما أن يكون نسيا منسيا، وإما أن يكون سيئ الذكر ورمزا للفساد يتذّكره الناس بصفاته السلبية، ومواقفه الخاذلة، أما أمثال هزاع، فيذكرهم التاريخ في سطور من نور، ويتجدد ذكرهم في كل مناسبة، فهم قناديل هذا الوطن رغم أنف من تآمروا عليهم، وهم، وإن أُسكت صوتهم للحظات، فها هو يجلجل في كل مناسبة، فهم ما زالوا في الدار، في وقت رحل عنها القتلة والفاسدون والمتآمرون والأفّاقون جميعا.
فخيل هزاع ما زالت تصهل بين جنبات الوطن؛ في عمان، وسهول حوران، وشيحان، والكرك، وعجلون... في حين أن الثعالب المسعورة تختبىء في أركان الوطن الأخضر، والقطط البرية التي عاثت في الكروم والبساتين تختبىء في أوكارها تنتظر الفرصة لتخرج من جديد.
كان هَمّ الشهيد الدفاع عن الوطن والمواطن لا السلب والنهب، واستغلال الفرص، والرصيد الضخم في البنوك؛ لذا كان شديدا في الحق، حريصا على مصلحة الأردن والأردنيين، فكافأه الأردنيون حبا وتقديرا وخلودا.
إن ذكرى استشهاد هزاع فرصة لتعلم الدروس في الوطنية والنزاهة، ونظافة اليد، لقد استشهد هو وأمثاله من الرجال لمواقفهم المشرفة، فكانت أعمارهم قصيرة، لكن الله في علاه بارك في دمائهم، وجعلها منبت نور يتجدد كل يوم، فذكرهم يعتق على مر السنين كما هي دماؤهم الزكية.
كان رحمه الله عتيا في الحق، عطوفا على المواطن؛ لأنه ابن الوطن، وأخ المواطن، فجاءت استقالته بعد 5 أيام من تشكيل وزارته الأولى على إثر رفضه قمع المظاهرات التي اندلعت حينها؛ مما يؤكد أنه وظف دراسته في الحقوق للدفاع عن حقوق الناس في فتره حالكة من عمر الأمة كثر فيها المتقلّبون، وثبت فيها الرجال الرجال، فذهب المتقلبون والمنافقون جميعا، وبقي هزاع حيا ثابتا قي الذاكرة الأردنية جيلا بعد جيل.
ما أشبه تلك الأيام بأيامنا هذه، فمرحلة هزاع كانت تسمى مرحلة التغيير، وقد أنشأ هو وزملاء له جمعية الحرية الحمراء، وقد كانت المظاهرات تعم البلاد، وكان هو من المشاركين فيها.
لقد رفع هزاع شعار الأردن للأردنيين معترضا على تسليم الوظائف العليا في الدولة لغير الأردنيين، ولعل إخلاصه في العمل، وانتماءه للوطن جعلاه يسجل إنجازات كبيرة في عمله رئيسا لبلدية عمان رغم شح الموارد، وهذا يجعلنا نقارن هذه الحال بحال أمانة عمان هذه الأيام التي نهشها الفساد من كل حدب وصوب.
ومثلما نرى الفاسدين اليوم يسارعون إلى ضم مَن هم على شاكلتهم لمساعدتهم على بيع الوطن، وإبرام صفقات الفساد، وإزهاق أرواح المواطنين فسادا ومحسوبية، فعل هزاع، ولكن بضم الشرفاء والمخلصين للعمل معه، فقد ضم إليه وصفي التل، وجعله مديرا للتوجيه المعنوي أنذاك.
أما رؤيته للمعارضة، فهي تستحق الاهتمام بها، والتوقف عندها، فلا قمع ولا إقصاء، بل رأى فيها مصلحة، وضرورة وطنية لمنع تغوّل السلطة واستبدادها، وبالتالي فهي تقوم بدور رقابي، وتعمل على تحقيق التوازن بين مكونات الوطن جميعا، وقد كان هو من ضمنها في مرحلة من عمره، وهذا لم يمنعه من الانتقال إلى السلطة، وتشكيل الوزارة. نعم لم يكن من السهل استبدال رجل مثل هزاع ... آمن بالحوار بين المختلفين في الرأي، ورفض التصادم والتناحر.
يُحتسب لهزاع أيضا أنه انتهج سياسة الباب المفتوح، فلم يكن مثل كثير من ساسة هذه الأيام يستحكمون في بروجهم العاجية يقتنصون الفرص لمغنم مالي أو تجاوز لأصحاب الحقوق... تاركين الناس في حيرتهم مما يجري حولهم، فهم ما زالوا يغطّون في سباتهم العميق، متجاهلين ما عليه المحافظات من فقر وعوز وبطالة لا يهمهم أن تنفجر هذه القنبلة الموقوتة في حضن الوطن طالما هم متخمون من خيراته، أما هزاع، فقد جعل وهو رئيس للوزراء يوم الاثنين من كل أسبوع لاستقبال الناس، والاستماع لهم، وتلبية مطالبهم، وقد استشهد رحمه الله في واحد من هذه الأيام، فرحمة واسعة على كل الشهداء والشرفاء في زمن اللصوص والأدعياء.almalnusair@hotmail.com