معركة الكرامة الثانية لا نتزاع حقوق الأسرى الفلسطينيين
الأسرى الفلسطينيين قيادة وطنية واعدة تتبلور وتترسخ خلف القضبان هم ملح الأرض واحد ابرز عناوين الكرامة والمقاومة الشريفة يعجز في وصفهم البيان وتتلعثم الكلمات وينفرط عقد العبارات وتحتار المعاني وتنكص الدلالات ويصمت اللسان ويغيب العقل والوجدان أن نوفيهم حقهم كأسطورة صمود وتحدى في وجه جلاديهم في سجون الاحتلال بالجوع والموت رفضوا الخضوع والمذلة في حربهم الضروس والمستمرة من اجل انتزاع حريتهم وتحسين ظروف حبسهم واعتقالهم ومقاومة إرهاب سجانيهم وهم الذين ضحوا بحريتهم من أجل حرية شعبهم ليستكملوا مسيرة الدفاع عن كرامة وشموخ وكبرياء الشعب الفلسطيني والعربي خلف القضبان وقد تحولوا عبر سنوات سجنهم الطويلة إلى شموع تنير طريق الحرية والاستقلال وان معاناة أسرى وأسيرات الحرية في سجون الاحتلال وعدالة قضيتهم باعتبارهم أبطال في ملحمة القيد والحرية لابد أن تصبح قضية جميع القوى والأحزاب العربية والعالمية فهم مقاتلون ومقاومون من أجل حرية أوطانهم ودحر المحتلين عن أرضهم وان فعلهم مشروع وواجب مقدس وان المطالب الحياتية والإنسانية للحركة الأسيرة مكفولة ومضمونه في كل الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية
مساء يوم الاثنين 8 4 2019 وبعد انتهاء مهلة ساعتين منحوها لمصلحة السجون وانسحاب مدير أمن السجون الإسرائيلية المعروف باسم بيتون فجأة من المفاوضات مع ممثلي الأسرى بذريعة الانشغال ثم أغلق هاتفه وعلى إثر ذلك أبلغ الأسرى إدارة مصلحة السجون الدخول في الإضراب إذا لم يستأنف الحوار وبعد طول تسويف ومماطلة وتراجع عن التفاهمات المبدئية المتفق عليها مسبقا بتركيب هواتف عمومية داخل السجون وإنهاء عزل المعاقبين داخل الزنازين ومع انهيار المفاوضات بدأ 150 أسيرا فلسطينيا في سجني ريمون والنقب يتقدمهم قيادات الحركة الأسيرة الإضراب المفتوح بالامتناع عن تناول الطعام والشراب عدا الماء بعد فشل الحوار مع إدارة سجون الاحتلال مدشنين المرحلة الأولى من " معركة الأمعاء الخاوية " التي أطلقوا عليها اسم معركة الكرامة الثانية وقد انضم إليهم قرابة (400) أسير في معتقلات النقب وريمون ونفحة وايشل وعوفر وجلبوع ومجدو
ومن المتوقع أن تنضم مجموعات كبيرة اخرى تضامنا مع دعوى الإضراب من مختلف السجون الإسرائيلية بذكرى يوم الأسير الفلسطيني في 17 الشهر الجاري وقد هددت إدارة السجون الإسرائيلية بإرغام المضربين على التغذية بالقوة بواسطة أنابيب "الزوندا" والتي تستخدم لكسر إضراب الأسير بإجباره على تناول الطعام إذا ما استمر في إضرابه عن الطعام وامتناعه عن إجراء الفحوصات الطبية ورفـض العلاج والسوائل وضمن الضغوطات الكبيرة التي تمارس على السجناء لإجبارهم على فك إضرابهم عزلهم انفراديا وتفتيشهم عراة ووضعهم في زنازين الإضاءة فيها متواصلة على مدار الساعة وقوية وحادة ووضعهم الى جانب المساجين الجنائيين وتحريضهم على شتمهم والصراح عليهم والتحرش المستمر بهم
وقد طالب الأسرى بأربعة مطالب أساسية سبقت إضرابهم أولاها تمكينهم من التواصل مع أهلهم وذويهم كباقي الأسرى في سجون العالم ورفع أجهزة التشويش على الهواتف النقالة وإعادة زيارات الأهالي إلى طبيعتها بالسماح لأهالي أسرى حماس من غزة بزيارة ذويهم كباقي الأسرى والسماح بزيارة أهالي الضفة الغربية جميعاً مرتين بالشهر وإلغاء جميع الإجراءات والعقوبات إثر الإحداث الأخيرة في سجن النقب الصحراوي ووقف عمليات الإهمال الطبي وتوفير أطباء متخصصين وإجراء العمليات الجراحية لمن يحتاجها وإنهاء سياسة التفتيش العاري والمذل ووقف فرض غرامات مالية على الأسرى وإلغاء اقتحام غرف الأسرى وتدمير حاجياتهم ومصادرتها بالإضافة إلى وقف سياسات التنكيل القمعية والاعتداء على الأسرى لأتفه الأسباب وإنهاء سياسة العزل الانفرادي والجماعي كما ويطالب الأسرى بتحسين شروط غرف الحجز بإزالة الألواح الصاج من الشبابيك والسماح بفتح الشبابيك وزيادة مواد التنظيف ومبيدات الحشرات وزيادة مدة الخروج للساحة الخارجية وتخفيف الاكتظاظ داخل الزنازين والسماح للأسرى الأشقاء بالتواجد مع بعضهم في نفس الغرفة والسماح للأسرى بالانتساب للدراسة وإدخال الكتب والمطبوعات الثقافية والرسائل وغيرها من مطالب أخرى
تشهد السجون الإسرائيلية توترا متصاعدا منذ مطلع 2019على خلفية إجراءات اتخذت ضد الأسرى الفلسطينيين عقب اقتحام قوات الشرطة والجيش وعناصر جهازي الشاباك والمخابرات لعدد من السجون والاعتداء على الأسرى بالضرب والغاز المسيل للدموع ما أدى لإصابة العشرات منهم يضاف الى كل ذلك واقع السجون المزري من حيث عدم وجود فرش وأغطية كافية للنوم وإلزام المعتقل أن يقوم مبكرا من فراشه ويرتب بطانياته ويجلس في وضع معين طيلة الوقت وعدم كفاية الطعام وافتقاره لمختلف المتطلبات الغذائية الضرورية للجسم و تعرض المعتقلون للاهانات والشتم والإذلال والحرمان من ابسط الحقوق وسوء ظروف المكان وعمليات القمع والقسوة في المعاملة وطول فترات العزل وتعدد أشكال العذاب والعقاب وقد جعلت سلطات الاحتلال من سجن مجدو الواقع في مرج ابن عامر شمال فلسطين المحتلة حقل تجارب لفهم النفسية الفلسطينية وطريقة السلوك معها وفق معادلة الدافع والاستجابة
منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي خاض الأسرى الفلسطينيون 27 إضرابا كبيرا وجماعيا لانتزاع مطالبهم كان آخرها إضراب 17 أبريل/نيسان 2017 الذي قاده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي واستمر 40 يوما إضافة إلى مئات الإضرابات المحدودة والفردية الأخرى ووفق إحصاءات رسمية صدرت عن ( هيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ) وان هنالك نحو 5700 معتقل منهم 45 امرأة و230 طفلا التهم الأساسية الموجهة للأطفال إلقاء الحجارة على الجنود وحيازة سكاكين ومحاولات طعن وإلقاء زجاجات حارقة وهنالك أيضا 500 معتقل إداري و1800 مريض من ضمنهم 700 في حاجة لعلاج دائم ومتابعة طبية مستمرة وجميع الإحكام الصادرة بحقهم عسكرية ولعل نظرة سريعة على عدد الأسرى والخاضعين للاعتقال الإداري التعسفي في سجون الاحتلال تتيح للمراقب أن يتبين حجم الجرائم التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد النساء والقاصرين والرجال بما يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية
ورغم اقتصار ردود الأفعال العربية والإقليمية والدولية على واقع الأسرى الفلسطينيين المرير مابين الإدانة والاستنكار والمناشدة استطاع الأسرى الفلسطينيين مرات عديدة أن يميطوا اللثام عن جرائم الاحتلال والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي وكافة المواثيق العالمية التي تحرم تعذيب الأسرى جسديا ونفسيا وبقيت سجون المحتل الغاصب تشكل تجسيدا حيا لإرادة الشعب الفلسطيني برفض الاحتلال والإصرار على المقاومة وتحرير الأرض وأنهم قادرون في سجنهم على مواجهة الجلاد وتجاوز حدود الجدران وهم يخوضون غمار الموت ويعلمون أن الإضراب عن الطعام طريق وعر ومسلك خطر قد يودي بهم إلى الشهادة أو يلحق بهم أمراضا وإصابات خطرة إلا أنهم وبإصرار بطولي متعاظم يستمرون صامدين متحدين خلف القضبان مهما غلت التضحيات وتداعت النتائج وأن تلك الإرادة أقوى من إجرام المحتل وسوف تنتصر حتما وينكسر القيد مهما طال الزمن ويتحقق حلم العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وقد استطاع الأسرى على مدى تاريخ وجودهم في السجون الإسرائيلية انتزاع الكثير من الحقوق بسبب إضراباتهم رغم عدم بلوغ تلك المكاسب حد الإفراج عنهم خاصة الأبرياء منهم إلا أنهم تمكنوا من تحسين شروط وظروف اعتقالهم داخل السجن لكن الثمن كان باهظا جدا حيث سقط كثيرون منهم شهداء أو أصيبوا بإمراض وعلل مزمنة ويبدو أن الإضراب الحالي يحاول أن يستفيد من التجارب السابقة في ممارسة أقصى الضغوطات لقبول شروط الأسرى وأننا على يقين مطلق أن أي مكاسب قد يحصل عليها الأسرى من جلاديهم لن ترقى إلى مستوى صبرهم وكفاحهم وصلابة إرادتهم إلا أنهم في المقابل يفضحوا سياسات الاحتلال أمام العالم ويثبتوا ان الديمقراطية التي يتغنى بها و حقوق الإنسان التي يدعيها ما هي الا شعارات فارغة و زائفة ومخادعة لا تجد طريقها إلى الإنسان الفلسطيني
نقف اليوم إمام عمالقة الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه هؤلاء القابضين على جمر العزة والإباء في غياهب السجون ينتظرون تحقيق حلمهم بالحرية الآتي لا محالة وقد عاشوا في عتمة ليل تلوَن بالسواد على مدى عقود من الزمن نقشوا فيها على الصخر أروع ملحمة لتاريخ شعب مقاوم أكثر من ثلث أبنائه دخلوا الزنازين والمعتقلات والسجون وفي الوقت الذي لم تعد تجدي او تنفع البيانات والمواقف الموسمية في التعاطي مع قضية آلاف الأسرى في معتقلات الاحتلال خصوصاً أن الأرقام في ازدياد ولا يمر يوم من دون أن يقدم العدو على ممارسة الاعتقال وتلك الجريمة النكراء التي ترتكب على مرأى من العالم اجمع دون حسيب او رقيب
وإزاء ذلك الواقع المرير فان من واجبنا جميعا فلسطينيين وعرب ومسلمين وحركات تحرر وطنية وعالمية وأحزاب وتجمعات ومنظمات مجتمع مدني مناهضة غطرسة وعنجهية الصهيونية وان نقف إلى جانب إخواننا الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الذين يتعرضون للقهر والاستهداف والقمع بوسائل متنوعة ومختلفة ونقل معاناتهم إلى أروقة المحافل القانونية والإنسانية الدولية و المطالبة ب" تدويل " قضيتهم وفق أساليب وآليات جديدة ومتطورة وأدوات نضالية عصرية ومشتركة وان نعمل معا للتصدي وكشف وفضح الانتهاكات الاسرائلية الجسيمة بحقهم باعتبارها ترتقي إلى مصاف جرائم حرب والتنديد بها والدعوة إلى الإضراب العام في مختلف الأراضي العربية المحتل تضامنا مع الأسرى من اجل تحريرهم وخاصة المرضى والقدامى وذوي الأحكام العالیة ودعم الحركة الأسیرة الفلسطينية والتضامن معها في مسيرتها الوطنية بكل قوة
يذكر أن أطول فترة إضراب عن الطعام في تاريخ الأسرى الفلسطينيين نفذها الأسير المحرر آنذاك المناضل خضر عدنان في عام 2012 استمرت 66 يوماً انتهت بعقد صفقة مع النيابة العسكرية الإسرائيلية تقضي بالإفراج عنه وعدم تجديد اعتقاله إداريا لاحقا وقد وردت انباء في اليوم السادس لإضراب الكرامة الثانية عن نقل أسيرين من حركة الجهاد الإسلامي من معتقل ريمون إلى مستشفى سوروكا بعد تردي وضعهما الصحي
مسك الختام :
تحية إجلال وإكبار ووفاء وفخار وتقدير واعتزاز إلى كل مقاوم يحمل لواء العزة و الكرامة والى الأسرى البواسل والأسيرات المناضلات في سجون الاحتلال المجرم الإرهابي الغاصب الذين يصنعون بعزيمتهم وصلابتهم وابتساماتهم رسالة الأمل وبارقة الضياء رغم رعب العتمة وعذابات القيد وقسوة السجان واعلموا أيها القادة العظاماء في امة جلها نكرات وأقزام إبطالها في القبور ورجالها في السجون وخونتها في القصور ولصوصها في اعلي المناصب لا بد أن تشرق الشمس ويسطع النور ولا بد لليل أن ينجلي وللقيد أن ينكسر مهما طال ظلم السجان وبعدت مسافات الزمان ومهما استمر القهر والاستبداد فلابد أن تفتح أبواب السجون وتنكسر إرادة الجلادين آجلا أم عاجلا ويجب أن لا يبقى هؤلاء الصناديد مجرد أرقام وهم مناضلون رفضوا تقديم التنازلات للمحتل
يا شعب الجبارين ان ينصركم الله فلا غالب لكم ونكرر ما سبق ان قاله الشهيد غسان كنفاني ( إنهم يدقون جدران الخزان فهل بقيت لنا أذان ) أيها الأسرى الفلسطينيون الإبطال هكذا يعيش ويموت الإبطال ( واقفين شموخا كالأشجار ) وليس كل من يطلق عليهم رجال هم رجال فكلمة الطير تجمع بين الصقر والدجاجة عاشت فلسطين حرة عربية عاشت
mahdimubarak@gmail.com
.