أيـن الـمـثـقـفـون مـمّا نـحـن فـيـه؟!

يلاحظ المتابع للشأن الثقافي العربي تزايداً كبيراً في أعداد الأنشطة الثقافية في الساحة العربيّة من مهرجانات وندوات ومؤتمرات ومحاضرات وحفلات توقيع كتب وإقامة معارض للكتاب ومعارض فن تشكيلي وعروض مسرحية وغنائية وموسيقية وغير ذلك ممّا يعزّ على الحصر. كذلك يلاحظ المتابع تزايداً بالغاً في أعداد من يطلق عليهم صفة المثقفين والمبدعين من شعراء ونقّاد وروائيين وكتّاب مقالات وغيرهم، كما يلاحظ المتابع ظهور أعداد كبيرة من المنتديات والروابط والاتحادات والجمعيات الثقافية وانتشارها في المدن والقرى والأحياء السكنية كافّة، إلى جانب ما تقوم به المدارس والمعاهد والجامعات حتّى دواوين العشائر والمدن والقرى من نشاطات ثقافية. كما أنّ المتابع يلاحظ كثرة القنوات والمنابر الإعلامية التّي تنشر الثقافة بمختلف أشكالها، كالذي نراه عبر المحطات التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإخبارية الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. 

 
إلاّ أنّه مع ذلك يلاحظ أن حال الأمّة في تراجع وانحدار وفقدان لكثير من القيم والثوابت التي تضمن للأمّة استقرارها وأمنها وعوامل صمودها وقدرتها على مواجهة التحدّيات. ومن هنا يبرز السؤال الكبير: ما السرّ في أنّه في الوقت الذي يزداد فيه المشهد الثقافي العربي حراكاً كما وصفناه، يزداد في الوقت ذاته تراجع حال الأمّة العربيّة وتزداد هزائمها وإخفاقاتها ونزاعاتها وخسائرها؟! فهل للثقافة دورٌ في الوصول إلى هذه الحال؟! أم أنّ المثقّفين قد أخفقوا في الاضطلاع بدورهم والنهوض برسالتهم في تعزيز صمود الأمّة ودعم ثوابتها وبناء وعيها؟! أم أنّ المثقفين سلّموا أسلحتهم الثقافية والفكرية ووقفوا على الحياد أمام ما تشهده المجتمعات العربيّة من نزاعات متعدّدة الصور والألوان؟ أم أنّ المثقفين انحرفوا عن سواء السبيل أو ضلّوا سبيلهم ولم يعودوا يعرفون كيف يؤدون رسالتهم ويقومون بدورهم؟! أمّ أنّ أكثرهم ليسوا مثقفين حقيقيين بل حصلوا على مسمّى المثقفّين بطرق التفافية غير سليمة؟! أم أنّ المنتج الثقافي العربي من كتب وأدب وفنّ ليس ذا قيمة ولا جدوى؟! ولكن مهما كان السبب فإنّ المؤسّسات الثقافية والتربوية كافّة بدءاً من وزارات الثقافة والتربية العربيّة واتحادات الكتّاب والروابط إلى المنتديات والجمعيات مدعوّة إلى أن تراجع إنجازاتها النوعية وليست الكميّة فقط، وأن تنظر في الأدوات والوسائل التي يمكن للثقافة من خلالها أن تسهم في وضع حدّ لتراجع أحوال الأمّة في أمنها ورزقها وسلوكها ومواقفها وسياساتها.