الخوف عدو الشعوب

أثبتت الاحداث الاخيرة في المنطقة العربية أن العدو الاول للشعوب لم يكن يتمثل بالفقر ولا بالبطالة ولا بحقوق الانسان الضائعة والمنتهكة منذ عقود في ظل تسلط وتغول فظيع ومقرف لنماذج غريبة عجيبة من الحكام العرب ، بل ان العدو رقم 1 كان يتمثل  بالخوف الذي رافق عقلية الانسان العربي طيلة تلك العقود التي كساها السواد  ،  والتي قادت الى تدمير النفوس وتحطيم المعنويات واستسلام الكبير والصغير والقبول بما هو متاح ومعلن من فتات مكارم وعطايا وهبات تلك الفئة الباغية المتسلطة على رقاب العباد وخيرات البلاد بالباطل .

 

الخوف الذي تم غرسة في نفس الانسان العربي عبر عشرات السنين بطريقة ممنهجة ومدروسة تم تحقيقة بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة غاية في الذكاء والدهاء والمكر والقذارة ، حتى أصبحت المطالبة بأبسط حقوق المواطنة نوعا من الترف الفكري والخروج عن المألوف في المطالبة بالحقوق التي تنتزع بالعادة ولا  توهب!!! ، وهي – أي المطالبة بالحقوق - جسارة وجرأة وتطاول وملامسة للخطوط الحمراء وانكارا لجميل القائد والحاكم  ، وأحيانا يحلوا لهم تسميتها بجرعة " وقاحة" زائدة  غير محمودة العواقب وتستوجب التأديب ، ويمكن أن تؤدي بصاحبها الى أحد الاقبية الرطبة في زاوية مظلمة في سرداب عميق تحت الارض ، حيث لا أثر للشمس أو لمقومات الحياة غير الانين المكبوت في صدور الكثيرين ممن نالوا نفس العقاب ويتقاسمون نفس المصير .

 

الخوف الذي تم غرسة في نفس المواطن العربي جاء نتيجة ممارسات وحشية لانظمة عربية تقوم على شمولية الفكر والعقيدة ، حيث مبدأ "اما معي أو ضدي" ، وتفرد القائد الرمز والقائد الضرورة والاخ القائد بالحكم والقيادة ، وتشارك العائلة والانسباء والاصهار في الادارة والنهب والسلب والتجويع والتركيع للشعب ولمقدرات الامة ،  لم يأت منها نظاما واحدا بصناديق الاقتراع النزهيه والديقراطية  !!! بل جاء معظمها بانقلابات عسكرية وشعارات ثورية وتحالفات مشبوهة أو كانت بالاصل وراثية بدستورها . لم يقدم فيها نظاما عربيا واحدا نموذجا مشرقا  لتنازل طوعي عن سلطات الحاكم لصالح شعبة ، بل كانوا يتسابقون في تثبيت دعائم حكمهم وتجويع شعوبهم ! فأصبح كرسي الحكم بكفة ميزان والوطن بكفة أخرى .

 

  حين كنت أتابع مؤتمرات القمة العربية ( أيام كان لدي أمل بالجامعة العربية وبالقمم العربية )، كنت أعجب وأتساءل ! ما الذي يجمع هؤلاء ؟! وبماذا يمكن أن يتحدثوا ؟! علامات التعجب لدي كان مردها أن تعابير وجوه القادة العرب لم تكن يوما مريحة للمشاهد والمتابع ، وتستطيع ان تشم وانت في بيتك  من خلال شاشة التلفاز رائحة النفاق والدجل والرياء الذي يمارس بينهم تحت شعارات انجاح القمم العربية بأي ثمن !!! وحين كانت تثور بينهم خلافات وتتناقل بعض وسائل الاعلام جزء من الملاسنات التي تدور بينهم ، وما يتبادلونه من شتائم ،  كنت اتأكد أكثر وأكثر أن العديد منهم كان يمارس البلطجة قبل وصولة للمنصب ، وانه الان يمارس البلطجة السياسية المدعومة اما بالمال أو بالقوة العسكرية وأنه أبعد ما يكون عن منصب الحاكم الذي يمكن أن يؤتمن على  حكم بلد ومقدرات أمة وادارة أمور شعب .

 

 

صحيح أن الخوف الذي غرسوه في نفوسنا قد أتى بنتائج باهرة لصالحهم ، فقد حكم بعضهم ما يزيد عن الاربعين عاما ، وبعضهم زاد عن الثلاثين عاما وبعضهم – مع قلة الحظ وسوء الطالع !!! – حكم بين العشرين والثلاثين عاما !!! وخلال هذه السنوات ، نهبوا وسرقوا وسلبوا وعذبوا وقتلوا وسجنوا !!! لكن حين أتى امر الله ، كانوا كراسي حكمهم  وقوتهم وحرسهم أوهن من بيت العنكبوت.

 

نعم ، لقد عاثوا في الارض فسادا وخرابا ، تحالفوا مع العدو وتامروا على شعوبهم وكدرسوا المليارات في بنوك الدول التي نصبتهم حكاما ثم أنقلبت عليهم حين لفظتهم شعوبهم ، نعم لقد بنوا القصور وتقاسموا خيرات البلاد وتركوا الجياع على قارعة الطريق ! لكنهم لم يدركوا أن الجوع كافر ، بل هو ابو الكفار ، وأن قيد الخوف لا بد وأن ينكسر يوما ، وها هو اليوم قد جاء ، ودنت ساعة جرد الحساب ، فكانوا مثالا للجرذان المفزوعة الهاربة من ملاحقة قط شرس !

فجاؤوا يطلبون العفو والصفح من شعوبهم !!!! يا لوقاحتهم ويا للعار الذي لحق بهم .

 

حين سأل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب كيف ينام في العراء تحت ظل شجرة دون حرس راشدي ( على نسق الحرس الرئاسي ...) ، قال " حكمت فعدلت فأمنت فنمت " !!! الله الله ما أعظم هذا النهج الاستراتيجي في التلاحم بين القائد وشعبة ، الله الله ما أعظم هؤلاء الرجال الذي لم يتخرجوا من ساند هيرست ولا من وجورج واشنطن ولا من أشهر معاهد الدبلوماسية الدولية ، بل تخرجوا من جامعة محمدية متخصصة في التخطيط الاستراتيجي المنبي على العدل وحب الناس ويقظة الضمير وبعد النظر والتسامح وتكافؤ الفرص .