شهد المجتمع الأردني في العقود الماضية تحولات اقتصادية وسياسية وتكنولوجية كبرى، كان لها أكبر الأثر على المجتمع وبنيته .
وأثرت هذه التحوّلات على البنى الاجتماعية التقليدية مثل: الأسرة والعشيرة والمجتمعات المحلية والمجتمع بأكمله، ومن ثم على علاقة الفرد بكل هذه البنى. هذا التغيير لم ينتج عنه ” نظام اجتماعي” يواكبه ، وغابت الرؤية عن المجتمع الذي نريد ليكون موازياً أو مواكباً لهذه التحولات. النتيجة لذلك، هو تراكم عدد كبير من المشكلات التي لم يتم الاعتراف بها بعد، واستمرت الحكومات والإعلام، وحتى المؤسسات الأخرى في تكريس الخطاب الاجتماعي التقليدي ، وإعادة إنتاجه على مستوى البنية الفوقية.
لقد أصبحت المشكلات الاجتماعية مزمنة ، وما تزال الحلول ، وهي بالتأكيد جزئية، غير قادرة أن تحل أية مشكلة من هذه المشكلات.
مشكلة الفقر بازدياد ، والبطالة كذلك ، وإذا ما أضفنا العنف ضد المرأة ، والجريمة والمخدرات وغيرها، يتشكل لدينا مشهد غير مريح ، وينطوي على أبعاد سلبية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
الحكومات المتعاقبة اكتفت بالحلول الجزئية ، وتركت المشكلة لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية ، واكتفت بالحلول الأمنية والقانونية لقضايا ، كالجريمة والمخدرات.السبب الرئيس لذلك غياب رؤية للتنمية والسياسات الاجتماعية.
كثير من من الاقتصاديين يعتقدون أن التنمية الاجتماعية هي تحصيل حاصل ، علاوة على أن الإنفاق عليها يشكل عبئاً اقتصادياً.
تجارب الدول المختلفة تثبت العكس تماماً ، إذ إن الإنفاق على القضايا الاجتماعية كالتعليم والصحة تساهم بشكل مباشر في النمو والتنمية الاقتصادية. كذلك ، عندما تم التخلي عن التخطيط الجماعي أو التفكير الجماعي من خلال خطط التنمية الاقتصادية /الاجتماعية ( دون إسقاط حكم قيمي على نجاحها أو فشلها) ، إلا أن أهم ما كان فيها هي العملية التي كانت تعود لهذه الخطط ، التي كانت تتمتع بشمول الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتداخلاتها ، ما كان يساهم في بلورة فهم مشترك لتداخلها مع بعضها بعضا.
الخطط الاقتصادية الحالية تفتقد الى مسألتين مهمتين، الأولى ، هي غياب البُعد التنموي الاقتصادي عنها، وحتماً البُعد التنموي الاجتماعي، وثانياً، هي نخبويتها ، أي أنه يتم بلورتها وتطويرها دون مشاركة كافية من الأطراف ذات العلاقة ، وأهمها الخبرات الوطنية.
إن غياب سياسات اجتماعية واضحة ومعلنة له كلفة كبيرة على المجتمع: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويضعف الحكومات في قدرتها على تحقيق الأهداف التنموية المطلوبة.
النتيجة لذلك على مستوى السياسات هو ، أولاً: إن احتمالية أن تكون هناك آثار سلبية للسياسات الاقتصادية على الأبعاد الاجتماعية شبه مؤكدة ، وخير دليل على ذلك الآثار السلبية الناجمة عن السياسات الاقتصادية في السنوات الماضية.
ثانياً، هو ضعف التنسيق والتشبيك والدمج بين سياسات الوزارات المختلفة ، ما نتج عنه ضعف في الأداء والنتائج.
لقد حان الوقت لأخذ السياسات والتنمية الاجتماعية بجدية من قبل الحكومة ، وبلورة سياسات اجتماعية واضحة ومعلنة حيال مختلف المشكلات والتحديات التي بات يعاني منها المجتمع الأردني ، ومن دون ذلك ستبقى الحكومات عاجزة عن حل أية مشكلة تستجد في المجتمع الأردني.