نيبال..المؤشرات والرسائل

مصطفى صوالحه

أنا لست مستبصرًا ولا أمتلك كرةً كريستالية، لكنني أريد أن أنقذ المجتمع الأردني من الإنهيار. لم تكن كتابة هذا المقال بالسهولة المعتادة والمتعارف عليها، إن المشاعر غير متجانسة أيضًا، هناك ناقد داخلي يوبخني قائلًا: "من أنت حتى تتحدث عن الانهيار المجتمعي؟".. و"ما الذي يمنحك الغطرسة لاتخاذ موقف بشأن شيء كبير جدًا؟"

أريد أيضًا أن أوضح شيئًا ما. على الرغم من أن هذا المقال يشير بشكلٍ –لا نستطيع تجاهله-  إلى انهيار النظام الاجتماعي ومنظومة الأخلاق التي حرصت الدولة على زرعها منذ تأسيسها، إلا أن ثمار الحاضر تلتف حول أعناقنا وتعمل على تحويلنا إلى كائنات حية لا تمتثل لأي نظامٍ كان!، وكأننا في حظيرةٍ يحاول بعض السفهاء رمينا بها.

إن النظام والقانون والفضيلة والتقاليد والأسرة والدين تعتبر اللبنات الأساسية لمجتمع سلمي ومُنظم. وفي الوقت نفسه، لست قلقًا من التقنيات التي تدخلنا في عصر الخطر الوجودي. كالتكنولوجيا النووية والذكاء العام الاصطناعي والإرهاب السيبراني والبيولوجيا التركيبية، إلا أنني قلق من أدوات المنظومة الإجتماعية المُشوهة والمضطربة والتي لديها القدرة على تدميرنا في حالة إساءة استخدامها، إما عن قصد أو عن طريق الخطأ.

بدأ ذلك عندما فاضت منصات التواصل الإجتماعي بصورة الطفلة نيبال، خرجت من المنزل ولم تعد، هكذا هي الروايات التي نسجها لنا الواقع الإفتراضي، بدأ بعدها مستخدمي هذه المنصات بنشر صُور نيبال، لتُسرد أمام أعيننا حرب التعليقات المتعاطفة مع العائلة من جهة، والتي تُندد بالفعل القبيح الذي أقدم عليه ذلك المجهول للجميع والقريب منهم من جهةٍ أخرى.

إن الإستجابة الأمنية والشعبية والإفتراضية كانت ملتحمة، وتبحث عن نيبال، فقط نيبال، فنحن لم نكن نريد إلا العثور عليها، والدها الذي أصيب بإنتكاسة ووالدتها التي انهالت دموعها دون توقف وهي تناشد الجميع مساعدتها البحث عن ابنتها التي لم تعد ترقد في صدرها منذ ليالٍ، والأجهزة الأمنية التي تُمشط المنطقة منذ ليالٍ ينشادون عدم نشر الأخبار المغلوطة، لكم أن تتخيلوا العذاب النفسي والإحتراق الداخلي الذي أصاب عائلتها، إنها ليالٍ ثلاث طويلة لن تُمحى من الذاكرة مهما شاخت الأجساد وهرمت.

إن الأخبار العاجلة غير مُرحبٍ بها في أوقاتٍ عصيبة كهذه، فكيف بالأخبار التي تصدر عن جهات ليست معنية أو ليست متخصصة أو حتى لا تتمتع بمصداقية يُمكن الإعتماد عليها إلى حدٍ ما!.

المعلومات التي يتم تداولها عند وقوع أية مشكلة -اعتاد المجتمع عليها أم لم يعتد- تتطلب مِنا أن نكون أكثر يقظة، فَوسائل التواصل الاجتماعي قامت بنزع الشرعية عن المعلومات، حيث لم يعد يوجد لدينا طريقة للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف. هذا يعني أننا في نظام حي يحاول فهم البيئة المحيطة به، لكن لا يمكننا "الوثوق" بقدراته على الشعور، لأن الكثير من المعلومات التي نحاول استيعابها في النظام هي معلومات زائفة. وهذا يؤدي إلى تخلي النظام عن معلومات حيوية حقيقية مفيدة أو ضرورية بالفعل لبقائه.

في أي ركن من أركان الحياة الشخصية والاجتماعية، يكون التهديد الأساسي للازدهار البشري هو اضطراب الروح الإنسانية والعلاقات الاجتماعية في الفصائل المتمحورة حول الذات أو الفردية أو المتسامحة أو النرجسية أو المثالية أو الكبرياء أو القبلية أو العاطفية. الفوضى هي سرطان يتجلى في روح العلاقات الفردية والاجتماعية.

فعندما يتفكك النظام. تصبح رغباتنا أسيادنا، ورغبات عديدة مثل رؤوسنا، يتم سحبها في ألف اتجاه مختلف.

إن ما تقرأونه ليس هجومًا على مؤسسات الدولة الخدماتية منها والعسكرية، فأنا لست من أولئك الذين يحتجون ويصرخون من أجل الإطاحة بالظواهر الشاذة التي بدأت تلتهم مجتمعنا الأردني وتفككه، إنني في الحقيقة أبحث عن حلول منطقية وعقلانية، عمليات الخطف والقتل والمشاجرات وتجاوز النظام العام أصبح عنصرًا يحمل من المفاجأة ما قد نتوقعه، فإذا كُنا نتبع كأفراد فاعلين في مجتمع تسوده الأنفس المريضة، فنحن الآن أمام عقبة يُمكن أن تُشعل المجتمع بمن فيه. هذه الحالة بالتأكيد ستعمل على إثارة العديد من المشاعر القلقة التي كانت في طي النسيان، أو لنقل أننا لم نكن نشعر بهيمنتها كما يحصل الآن.

العثور على نيبال كجثةٍ هامدة داخل غرفة مخزن تابع لإحدى الأبنية المحيطة بمنزل ذويها مع علامات تدل على ضربها بواسطة أداة راضة على رأسها مراتٍ عديدة من قبل مراهق عمره لم يتجاوز السن القانوني يدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي جعلته يُقدم على فعل ذلك، إننا نتحدث عن نيته الاعتداء جنسيًا عليها، جريمةٌ نكراء بحق طفلةٍ يستحق بسببها أن يُعلق الجاني من رقبته أمام العامة.

الجثة حُولت للطب الشرعي، وقسم مسرح الجريمة  قام باتخاذ إجراءاته لتحريز كافة الأدلة والعينات. لتقرر لجنة الطب الشرعي المكلفة بالكشف على الجثة أن الوفاة ناتجة عن "تهتك الدماغ، ونزف دموي في أغشيته نتج عن كسور في عظام الجمجمة، وأن هذه الإصابات نتجت عن الارتطام بجسم صلب حاد، ولا آثار لأي إصابات أخرى في باقي الجسم."

يبدو أن صراخها قد أزعجه وحال دون إفراغ شهوته الجنسية القذرة، فما كان منه إلا قام  بوضع جسدها تحت قطعٍ من الخردة، إنه فعلٌ يُقدم عليه من بحقه عشرات التهم والأسبقيات، إنه فعل السفهاء الذين ندعو الله ألا يأخذنا بما فعلوا!.

ما هي المرحلة المُقبلة؟..وكيف يُمكننا معالجة المجتمع المُمزق؟.